بصدد إجرائه وإنفاذه وأمر بتبليغه، وبعبارة أخرى المراد بفعلية الحكم إجراء الحكم وتبليغه وتحصيله بمراتبه المختلفة من بيان كون الفعل ذو مصلحة كما هو ذو مراتب، واشتياقه إلى ايجاده كما هو المرتبة الثانية، ووعد الثواب على فعله كما هو المرتبة الثالثة، والعقاب على تركه بمراتب العقاب المختلفة شدة وضعفا كما هي المرتبة الرابعة على حسب اختلاف الناس بحسب الانبعاث بهذه المراتب من البعث، فإن بعضهم ينبعثون بالمرتبة الأولى وبعضهم بالثانية وهكذا، وهو غير نفس الحكم، إذ المراد شيء وتحصيله شيء آخر، فكما في الإرادة التكوينية الإنسان ربما تتعلق إرادته بشيء سواء كانت الإرادة عبارة عن الشوق المؤكد والحب أو عن العلم بالصلاح، ولا يصير بصدد تحصيله بتهيئة مقدماته من جهة الموانع والمزاحمات عن تحصيله إما مطلقا، أو على بعض الوجوه.
فكذلك في الإرادة التشريعية إرادة الشيء أمر وتحصيله شيء، ولكل منهما مقتضيات ومزاحمات، فربما يكون المقتضي لجعل الحكم وتشريعه موجودا والمانع مفقودا، ولكن بالنسبة إلى تحصيله والأمر بتبليغه إلى العباد يكون المانع موجودا، إما من جهة عدم استعداد الناس وقابليتهم، أو من جهة أخرى، ولذا صار بلوغ الأحكام على التدريج من أول زمان البعثة إلى زمان الأئمة (عليهما السلام) بل بعضها لم يصر فعليا إلى الآن، ويصير فعليا في زمان ظهور الحجة (عليه السلام) كضرب عنق مانع الزكاة وأمثاله.
إذا تحقق أن فعلية الحكم عبارة عن تحصيله وإجرائه، وهو غير نفس الحكم فاعلم أن القطع إذا تعلق بالحكم الفعلي يصير موضوعا لحكم العقل بتنجز الواقع به واستحقاق الثواب والعقاب على موافقته ومخالفته، لأن استحقاق الثواب والعقاب يترتب على عنوان الإطاعة والعصيان المترتبين على موافقة الأمر ومخالفته، والحكم إذا لم يصل مرتبة الفعلية ليس بأمر ولا نهي.
فعلى هذا لو تعلق القطع بالحكم الاقتضائي الإنشائي الشأني لا توجب موافقته ومخالفته الثواب والعقاب، لأن غاية ما يمكن استفادته من حكم العقل