العقوبة على الترك ولم يعذره العقل، لأنه كان متمكنا من الاتيان بالمأمور به وتركه اختيارا فيندرج في وجوب دفع الضرر المحتمل كسائر موارد لزوم الاحتياط مثل الاجتناب عن أحد طرفي الشبهة المحصورة، حيث إن المكلف لو ارتكبه واتفق كونه الحرام الواقعي يستحق العقاب على مخالفته ولم يعذره العقل، لأن تمام موارد الاحتياطات اللازمة مندرجة تحت كبرى كلية واحدة وهي وجوب دفع الضرر المحتمل.
والحاصل: أنه لو كان للمكلف به أفراد طولية أو عرضية بعضها مقدور للمكلف فعلا وبعضها الآخر غير مقدور فعلا فأخر المكلف امتثال التكليف ولم يأت بالفرد المقدور له فعلا برجاء الإتيان بغيره في الزمان الثاني واتفق عدم تمكنه من إتيانه كان مستحقا للعقاب وغير معذور بحكم العقل، إذ بعد تمامية التكليف وقدرة المكلف على الامتثال والخروج عن عهدته يحكم العقل بلزوم المبادرة إلى الامتثال من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، فإن أخر ولم يأت به في الزمان الأول ولكن أتى به في الزمان الثاني لم يكن عليه شيء غير ما على المتجري، لمساواة ما أتى به في الزمان الثاني مع ما تمكن من إتيانه في الزمان الأول في الغرض المقصود.
وأما لو اتفق عدم تمكنه منه في الزمان الثاني فيستحق العقاب على ترك المأمور به، لأنه تركه اختيارا بلا عذر شرعي أو عقلي في تركه برجاء اتيانه في الزمان الثاني، وهو ليس بعذر شرعا وعقلا حتى يوجب رفع اليد به عن وجوب دفع الضرر المحتمل فيجب المبادرة إلى اتيان المأمور به. إلا أن يكون ترخيص من الشارع في التأخير، سواء استفيد ذلك الترخيص من دليل خارج أو من نفس دليل الحكم كما في الواجبات المؤقتة الموسعة، فإن نفس جعل زمان الفعل أوسع من مقدار الفعل ترخيص للمكلف في تأخيره إلى الزمان الثاني والثالث وهكذا إلى زمان لا يتمكن بعده من الإتيان من جهة انقضاء الوقت، فيتعين عليه الإتيان في ذلك الزمان.