تعالى: ﴿فاستبقوا الخيرات﴾ (١) ﴿وسارعوا إلى مغفرة من ربكم﴾ (٢) والإشكال على دلالة الآيتين على وجوب الفورية في المأمور به بأنهما إنما تدلان على الفورية في الأوامر الشرعية لا مطلقا على تقدير تمامية دلالتهما غير وارد، لأن المقصود بالبحث إنما هو اثبات فورية الأوامر الشرعية، وإنما الإشكال في دلالتهما وأن الأمر في الآيتين مولوي يدل على لزوم الاستباق والمسارعة إلى الخيرات والمغفرة بحيث يوجب ترك الاستباق والمسارعة استحقاق العقاب، أو أن الأمر فيهما إرشادي كأوامر الإطاعة.
والظاهر أن الأمر فيهما إرشادي تابع للمرشد إليه، وليس الغرض من الاستباق إلى الخير إلا الوصول إليه ومن المسارعة إلى المغفرة إلا الوصول إليها والى أسبابها كما في الأمر بالاتقاء من الهلكة فإنه أمر إرشادي ليس الغرض منه إلا عدم الوقوع في التهلكة، ولا يترتب على عدم الاستباق والمسارعة عقاب على حدة غير العقاب المترتب على ترك المأمور به على تقدير تركه كأوامر الإطاعة مثل: ﴿أطيعوا الله ورسوله﴾ (3) حيث لا يترتب على تركها إلا ما يترتب على ترك الواجبات وفعل المحرمات.
والحق عدم استفادة الفورية من الأمر بشيء من هذين الوجهين، أما وضعا فلأن صيغة الأمر مادتها موضوعة للطبيعة من حيث هي بلا اعتبار شيء فيها من الفورية والتراخي وسائر القيود، وهيئتها موضوعة لنفس البعث إلى المادة من غير اعتبار شيء أيضا، فمفاد الصيغة ليس إلا البعث إلى المادة، واطلاقها يقتضي حصول الامتثال بكل واحد من الفور والتراخي، وأما الأدلة الخارجية فقد عرفت الكلام فيها.
نعم يمكن الحكم بالفورية ولزوم المبادرة بوجه آخر وهو: أن المكلف لو أخر الامتثال ولم يأت بالمأمور به فورا واتفق عدم تمكنه منه بموت ونحوه يستحق