الأمر بهما يكون باقيا.
فتحصل: أن الدليل على الفورية لو كان آية الاستباق والمسارعة لو عصى المكلف ولم يأت بالمأمور به فورا وفي الزمان الأول يجب عليه الفورية والمبادرة في الزمان الثاني وهكذا، والأمر بالفورية باق ما دام الأمر بأصل الطبيعة باق. وكذا لو كان الدليل على الفورية حكم العقل بلزوم المبادرة إلى إتيان المأمور به من جهة دفع الضرر المحتمل، فإن هذا الحكم العقلي باق ما دام الأمر بأصل الطبيعة باق أيضا.
وأما لو كان دليل الفورية نفس وضع الصيغة كما هو ظاهر من استدل على الفورية بالتبادر من مثل قول المولى لعبده جئني بالماء، فإن كانت الفورية معتبرة في المادة بأن كان المطلوب هي المادة المقيدة بالفورية فالظاهر أنه يصير من باب وحدة المطلوب، فلو أتى به في الزمان الأول فهو، وإلا فيسقط الطلب بأصل الطبيعة والفورية جميعا، وإن لم يكن الفورية معتبرة في طرف المادة على وجه يصير من باب وحدة المطلوب، بل كان أصل الطبيعة مطلوبا وإتيانه فورا أيضا مطلوبا آخر، فلو عصى في الزمان الأول ولم يأت به فورا فيحتمل أن يقال بأنه تسقط الفورية ويبقى طلب أصل الطبيعة، ويحتمل أن يقال: إنه لا تسقط الفورية مطلقا، بل تجب فورا ففورا، فلابد من أن يسأل عن القائل بدلالة نفس الصيغة على الفور أنه بأي نحو من هذه الأنحاء يقول بدلالتها.
ثم إن الغرض من هذا الذي ذكرنا من اختلاف الفورية في السقوط وعدم السقوط في الزمان الثاني بحسب الوجوه الثلاثة هو التنبيه على هذا المطلب، لأنه يترتب عليه الأثر في كثير من المقامات ولابد في كل مقام من ملاحظة لسان الدليل وأنه يستفاد منه الفورية بأي نحو من الأنحاء المذكورة حتى لا يختلط الأمر، فتأمل.