ليس مؤمن شرعي ولا عقلي حتى يكون عذرا للمكلف لو أخر وفات الواجب ولم يتمكن منه في الزمان الثاني.
ولعل الحكم بوجوب المبادرة إلى الحج في أول عام الاستطاعة إنما هو من جهة ضعف الأصول العقلائية، لأن موسم الحج في كل سنة مرة واحدة واحتمال طرو الحوادث من سنة إلى سنة أخرى احتمال معتنى به عند العقلاء بخلاف الآنات والساعات بل الأيام أيضا، فيجب المبادرة إليه من هذه الجهة لا من جهة الأخبار التي استدلوا بها على فوريته، بل على كون تأخيره كبيرة موبقة - كما قالوا - لقصورها عن إفادة هذا المطلب كما ذكرنا في محله. فعلى هذا لو اخر الحج عن العام الأول وأتى به بعده فلا شيء عليه غير ما على المتجري، وإن أخر ولم يتمكن من اتيانه فيما بعد كانت عليه عقوبة تارك الحج، وكان في صف اليهود والنصارى كما ورد في الأخبار (1).
لا يخفى أن الواجب إما مؤقت أو غير مؤقت، والمؤقت إما مضيق أو موسع.
ولا إشكال في وجوب المبادرة في الواجب المضيق وعدم وجوب المبادرة في الواجب الموسع، لأن نفس جعل زمان الفعل أوسع من مقدار زمان الفعل ترخيص من الشارع في التأخير وإنما الإشكال في الواجب الغير المؤقت الذي لم يرد ترخيص من الشارع في تأخيره ولا أصل عقلائي يكون عذرا للمكلف، فإن الأصل العقلائي كالترخيص الشرعي في كونه عذرا في التأخير، وإلا لوجب الردع عن الركون إليه، وعدم الردع يكفي في جواز الركون إليه.
فتحصل: أن مقصود القائل بدلالة الأمر على الفور يتم بالأعم من دلالة الصيغة بنفسها أو بواسطة الآيات الدالة على لزوم الاستباق والمسارعة إلى المأمور به أو بواسطة حكم العقل كما عرفت، والقائل بعدم الدلالة على الفور لابد أن ينكر جميع ذلك كما في حجية الاستصحاب حيث إن مدعى القائل بالحجية