لأن اختلافهما مرتبة من حيث الطلب إما بأن يكون بينهما اختلاف بالشدة والضعف في البعث الذي هو عبارة عن الطلب، وهو باطل، لأن البعث الوجوبي والندبي متساويان في أصل البعث وتحريك المبعوث نحو المبعوث إليه، وإما بأن يكون بينهما اختلاف فيما يوجب البعث، وهي الإرادة، وهي إما عبارة عن العلم بالمصلحة كما في الباري جل شأنه، إذ لم نتعقل من الإرادة بالنسبة إليه غير العلم بالصلاح، أو هي عبارة عن صفة نفسانية منشؤها العلم بالصلاح ويعبر عنها بالشوق المؤكد كما في المخلوق.
وعلى كل حال فنفس العلم بالصلاح ليس قابلا للشدة والضعف، إذ العلم علم، وأما نفس الصلاح وإن كان قابلا للشدة والضعف إلا أن مراتب الصلاح كثيرة متفاوتة بالشدة والضعف إلى ما شاء الله، فأي مرتبة منه مستحب وأي مرتبه منه واجب؟
واحتمال أن يكون المستحب عبارة عن أول مرتبة الصلاح ورجحان الشيء بما يخرج عن حد الاستواء والوجوب عبارة عن غيره من المراتب مدفوع، بأنه يلزم على هذا أن لا تكون المستحبات والواجبات مختلفة بالتأكد وعدمه.
وربما يقال: إن المائز بين الوجوب والاستحباب بجعل الثواب والعقاب فإن جعل الثواب على فعل شيء والعقاب على تركه كان واجبا وأن جعل الثواب على فعله من دون أن يجعل العقاب على تركه كان مستحبا.
ولكن هذا مبني على أن يكون استحقاق الثواب والعقاب أمرا جعليا، وبناء على تسليم هذا المبنى لا إشكال ثبوتا وإثباتا.
أما ثبوتا فلأنه يمكن أن يجعل الثواب على فعل شيء والعقاب على تركه فيكون واجبا، وباختلاف مراتب الثواب والعقاب تختلف مراتب الوجوب شدة وضعفا، إذ الوجوب على هذا ما جعل الثواب والعقاب على فعله وتركه، فكل ما كان ثوابه أكثر أو العقاب على تركه أكثر كان وجوبه آكد. ويمكن أن يجعل الثواب على فعله من دون أن يجعل العقاب على تركه، فيكون مستحبا وباختلاف مراتب