البعث يتحقق حد الاستحباب ولو انضم الترخيص في الفعل إلى الزجر يتحقق حد الكراهة كما لا يخفى.
المبحث الثالث:
في أن الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام البعث والطلب ك " يغتسل ويتوضأ " وأمثالهما هل هي ظاهرة في الوجوب أو لا؟
الحق أنها ظاهرة فيه، بل الوجوب المستفاد منها آكد من الوجوب المستفاد من الصيغة، ودلالتها على الوجوب أظهر من دلالة الصيغة، حيث إن الأمر في مقام البعث والطلب إخبار بوقوع مطلوبه في الخارج، فكأنه جعل ملازمة بين بعثه وانبعاث المخاطب والمأمور وملازمة بين انبعاث المأمور وحصول المأمور به في الخارج، فالطلب بها آكد من الطلب بالصيغة، وليعلم أن هذه الجمل إنما استعملت في معانيها ولكن الداعي على استعمالها ليس هو الاعلام بل البعث، ولذا يكون الطلب بها آكد بالبيان المتقدم. ومع ذلك لا يلزم الكذب، لأن الكذب إنما يلزم إذا كان استعمالها في معانيها بداعي الإعلام والحكاية لا بداعي البعث، فإن الصدق والكذب في الكناية باعتبار المكنى عنه، فإذا قيل: زيد كثير الرماد فإن كان جوادا فهذا الكلام صادق وإن لم يكن له رماد أصلا، وإن لم يكن جوادا فهو كاذب وإن كان له رماد كثير، وكذا في مهزول الفصيل وطويل النجاد.
المبحث الرابع:
في أنه لو سلم عدم كون الصيغة حقيقة في الوجوب من جهة وضعها له هل لا تكون ظاهرة فيه من جهة انسباقه من اطلاقها، أو تكون ظاهرة فيه؟
والحق أنها ظاهرة فيه لا لما ذكر من غلبة استعمالها فيه، أو لغلبة وجوده لمنعهما، ولا لأكملية الوجوب، لمنعه أولا، لأن الطلب في الواجب والندب ليس الطلب في أحدهما أكمل من الآخر، فتدبر. ومنع كون الأكملية موجبة للانصراف ثانيا، وإلا لزم الانصراف إلى الفرد الأكمل فيما لو قال المولى: " جئني بإنسان " ونحوه.