الصيغة إن كان مراده بتبادر الوجوب من الصيغة التبادر الوضعي كما هو الظاهر لا يوافق ما اختاره في المبحث الأول، وهو أن الصيغة موضوعة لإنشاء البعث وما استعملت في شئ من الموارد إلا في هذا المعنى إلا أنه إن كان الداعي إلى البعث غرض في المبعوث إليه تصير مصداقا للطلب، وإن كان الداعي إلى البعث غرض في نفس البعث تصير مصداقا للاختبار وهكذا، لأنه (قدس سره) لم يقل بأنها موضوعة لخصوص الطلب ولا حقيقة في خصوصه فكيف يقول بأنها موضوعة للوجوب وحقيقة في خصوصه، مع أنه أخص من الطلب ونفي الأعم مستلزم لنفي الأخص؟
فلابد أن يكون هذا الكلام منه بمذاق القوم، وإن كان مراده بالتبادر التبادر الاطلاقي، فالظاهر أنه لا ينافي ما اختاره، وذلك لأن الصيغة وإن وضعت لإنشاء البعث وما استعملت إلا فيه في تمام الموارد ولكن المتبادر من اطلاقها هو الطلب كما عرفت، والمتبادر من الطلب هو الطلب الالزامي كما مرت الإشارة إليه، وسيأتي أيضا.
وعلى أي حال الكلام تارة في أصل التبادر والظهور، وأخرى في كيفيته وأنه مستند إلى الوضع أو الاطلاق.
أما أصل الظهور في الوجوب فيدل عليه عدم صحة الاعتذار عن المخالفة باحتمال إرادة الندب مع عدم قيام قرينة حالية أو مقالية، وأما أن الظهور مستند إلى الوضع أو إلى الاطلاق فغير معلوم، إذ يحتمل أن يكون مستندا إلى الاطلاق كما تأتي الإشارة إليه.
فإن قيل - على فرض تسليم كون الصيغة موضوعة للوجوب -: كثرة استعمالها في الندب في الكتاب والسنة وغيرهما تمنع عن حملها على الوجوب عند الإطلاق، لصيرورتها من المجازات الراجحة في المعنى الندبي كما قال صاحب المعالم: يستفاد من تضاعيف أحاديثنا المروية عن الأئمة (عليهم السلام) أن استعمال صيغة الأمر في الندب كان شائعا في عرفهم بحيث صار من المجازات الراجحة المساوي احتمالها من اللفظ لاحتمال الحقيقة عند انتفاء المرجح