يمكن اتصاف القديم به (1) مع أنه لابد في صدق المشتق على الذات قيام المبدأ بها، فلا يمكن اتصافه تعالى بأنه متكلم بإيجاده الكلام في جسم آخر كالشجر وأمثاله، كما لا يمكن اتصاف شخص بأنه متحرك بإيجاده الحركة في جسم آخر، بل المتصف بالمتحركية هو ذلك الجسم الآخر.
وفي هذا الاستدلال ما لا يخفى فإنا لا نتعقل في النفس صفة أخرى غير الصفات المعروفة وكونه تعالى متصفا بالمتكلمية لا يقتضي الالتزام بوجودها مع عدم تعقلها كما التزموا بها الأشاعرة مع عدم تعقلهم اياها من جهة ما توهموه من البرهان الإني على وجودها، لأنه يمكن اتصافه بالمتكلمية مع كون الكلام عبارة عن الكلام اللفظي، فمعنى كونه متكلم أي موجد للكلام.
وما قيل من أن صفة القديم لابد أن تكون قديمة فإنما هو في صفات الذات لا في صفات الأفعال، وكذا ما قيل (2) من أنه يعتبر في صدق المشتق على الذات قيام المبدأ بها ممنوع، لما عرفت من أن أنحاء التلبسات مختلفة، فقد يكون بالقيام وقد يكون بالصدور وقد يكون بغيرهما، وقياس المتكلم بالمتحرك ليس في محله، إذ التحرك - وهو الانتقال من مكان إلى مكان آخر - صفة للجسم الذي أوجد فيه الحركة لا المحرك وهو الذي أوجد الحركة، بخلاف المتكلم فإنه عبارة عن الموجد للكلام.
ولا يعتبر في صدق المتكلم إلا ايجاده الصوت المشتمل على التقطيعات المخصوصة، سواء كان ايجاده باللسان أو بغيره من الجوارح، أو كان ايجاده بمجرد الإرادة بلا آلة ولا جارحة. نعم لو كان ايجاده في جسم آخر فالمتصف بالمتكلمية هو ذلك الجسم، وأما لو لم يكن ايجاده في جسم، بل أوجد هذا الصوت المخصوص لا في جسم فيتصف بالمتكلمية حقيقة، ولا داعي إلى الالتزام بوجود صفة في النفس غير الصفات المعروفة مع أنها غير معقولة لتصحيح اطلاق