وقد تقدم أنه لا يعتبر في صدق المشتق قيام المبدأ بالذات فقد يكون التلبس المعتبر في الاتصاف بالقيام، وقد يكون بالصدور، وقد يكون بغيرهما من انحاء التلبسات المختلفة باختلاف المبادئ والهيئات كما عرفت، وأن ما ذكروا من أنه لا يصدق عليه المتكلم عليه بإيجاده الكلام في جسم آخر كما لا يصدق المتحرك على الشخص بمجرد ايجاده الحركة في جسم فهو مسلم فيما لو أوجد الكلام في جسم آخر، إذ حينئذ ذلك الجسم يتصف بأنه متكلم لا الموجد وأما لو أوجد الكلام - أي الصوت المشتمل على هذه التقطيعات المخصوصة - الصادر منا بتوسط الجارحة المخصوصة بلا آلة ولا في جسم آخر نمنع عدم صدق المتكلم عليه، لأن المراد بالمتكلم موجد الكلام وهو يصدق عليه ولو كان الكلام بمعناه الذي يصدر عنا، ولا حاجة إلى الالتزام بل إلى القول بالكلام النفسي بالقيود التي اعتبروها من مغايرته مع العلم والإرادة والكراهة. والحال أنه غير معقول بهذه القيود التي اعتبروها فيه كما حقق في محله.
بل يمكن أن يقال: إنهم أيضا لم يتعقلوا ذلك المعنى، وإنما أثبتوا له تعالى هذا المعنى من جهة الالجاء وضيق الخناق لما ثبت من أنه تعالى متكلم بالضرورة، ولا يمكن إنكار هذه الصفة، وزعموا أنه لا يمكن أن يتصف بالمتكلمية إلا من قام به الكلام، وأن الكلام بمعناه الذي يقوم بنا لا يمكن قيامه به، فلابد أن يكون المراد به امرا نفسيا يمكن قيامه به، ويكون مغايرا للصفات المعروفة، فكأنهم بنظرهم بالبرهان الإني أثبتوا الكلام النفسي له، وإلا في الحقيقة لم يتعقلوه فليس التزامهم بالكلام النفسي إلا من باب الإلجاء والاضطرار، وإلا لو أمكنهم اتصافه تعالى بالمتكلم بلا التزام به لما ألزموا به.
وعلى أي حال لا إشكال في أن الطلب عندهم مغاير للإرادة، لأن الطلب عندهم عبارة عن المعنى القائم بالنفسي المغاير للعلم والإرادة والكراهة، إذ هو عبارة عن الكلام النفسي في الإنشاءات، ومعلوم أنه مغاير للصفات المعروفة عندهم وأما عندنا فلانا لا نتعقل معنى قائما بالنفس غير الصفات المعروفة حتى