للوجوب فقط، لما عرفت من أنها موضوعة للبعث والتحريك المذكورين بلا فرق بين الوجوب والندب فيما ذكر، وإنما الفرق بينهما بما عرفت، فلو كانت مطلقة تحمل على الوجوب، من جهة أن البعث بلا رخصة في الترك هو الوجوب، وإن لم تكن مطلقة بل قيدت بالرخصة في الترك فهو الندب.
ولذا لو قال أحد: أمر فلان عبيده بكذا لا يمكن استفادة الوجوب من ذلك الأمر، لأن المخبر ليس إلا في مقام الحكاية والإخبار، فليس هنا إطلاق لكلامه بخلاف ما لو قال: أمرتك بكذا، أو: أنت مأمور بكذا أو: أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) بأن الله أمركم بكذا أو: أخبر الإمام بأن النبي (صلى الله عليه وآله) أمركم بكذا فإنه يحمل الأمر على الوجوب بواسطة الاطلاق.
ومن هنا ظهر أنه يمكن الجواب عن الاستدلال بآية: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره﴾ (1) بأن الأمر المطلق لما كان محمولا على الوجوب فلذا أمر بالحذر عن مخالفته مع ما في هذا الاستدلال من المناقشات.
ويمكن الجواب أيضا عن الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله): لو لا أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك بأن المراد لولا المشقة لطلبت منهم السواك لا لأوجبت عليهم.
ولو قيل بأن الطلب الاستحبابي موجود ومع ذلك نفي النبي (صلى الله عليه وآله) الأمر بالسواك فهو يدل على أن الأمر للوجوب.
قلنا: ليس طلب بالنسبة إلى السواك لا بمادة الأمر والطلب ولا بصيغة افعل وإنما الموجود في الأخبار الترغيب إليه بذكر خواصه وآثاره: مثل كونه مطهرا للفم، وأن الصلاة معه كذا، وأمثالهما على ما يظهر بالمراجعة إليها فتأمل.
وعن الاستدلال بقوله (صلى الله عليه وآله) لبريرة بعد قولها: أتأمرني؟ إلى آخره، بأن النبي (صلى الله عليه وآله) ما طلب منها المراجعة لا أنه ما أوجب، لأن الشفاعة عبارة عن تحصيل التئام وائتلاف بين الشخصين بلا أن يكون طلب وأمر من الشفيع كما هو المتعارف من معناها عرفا، فتدبر، هذا ما في استدلال القائلين بكونه حقيقة في الوجوب.