غاية التواضع، وترك التكبر وكسر النفس لأنها لا تأمر الرجل بالمذلة ولا ترضى بها ولا بالتواضع، بل بخلاف ذلك، فإذا سجد فقد خالف نفسه وبعد عنها، فإذا بعد عنها قرب من ربه. قوله: فأكثروا الدعاء أي في السجود لأنه حالة قرب كما تقدم، وحالة القرب مقبول دعاؤها، لأن السيد يحب عبده الذي يطيعه ويتواضع له ويقبل منه ما يقوله وما يسأله. (والحديث) يدل على مشروعية الاستكثار من السجود ومن الدعاء فيه. وفيه دليل لمن قال: السجود أفضل من القيام، وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك.
وعن ثوبان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: عليك بكثرة السجود فإنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
الحديث لفظه في صحيح مسلم، قال: يعني معدان بن أبي طلحة اليعمري: لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: بأحب الأعمال إلى الله، فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر الحديث، وهو يدل على أن كثرة السجود مرغب فيها، والمراد به السجود في الصلاة، وسبب الحث عليه ما تقدم في الحديث الذي قبل هذا، أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد وهو موافق لقوله تعالى: * (واسجد واقترب) * (العلق: 19) كذا قال النووي. وفيه دليل لمن يقول: إن السجود أفضل من القيام وسائر أركان الصلاة. (وفي هذه المسألة) مذاهب أحدها: أن تطويل السجود وتكثير الركوع والسجود أفضل، حكاه الترمذي والبغوي عن جماعة، وممن قال بذلك ابن عمر. والمذهب الثاني: أن تطويل القيام أفضل لحديث جابر الآتي، وإلى ذلك ذهب الشافعي وجماعة وهو الحق كما سيأتي. والمذهب الثالث: أنهما سواء، وتوقف أحمد بن حنبل في المسألة ولم يقض فيها بشئ. وقال إسحاق بن راهويه: أما في النهار فتكثير الركوع والسجود أفضل، وأما في الليل فتطويل القيام إلا أن يكون للرجل جزء بالليل يأتي عليه، فتكثير الركوع والسجود أفضل، لأنه يقرأ جزأه، ويربح كثرة الركوع والسجود. قال ابن عدي: إنما قال إسحاق هذا لأنهم وصفوا صلاة النبي (ص) بالليل بطول القيام، ولم يوصف من تطويله بالنهار ما وصف من تطويله بالليل.