عمر لا ينافي مشروعية الأربع لما تقرر في الأصول من عدم المعارضة بين قوله الخاص بالأمة وفعله الذي لم يقترن بدليل خاص يدل على التأسي به فيه، وذلك لأن تخصيصه للأمة بالامر يكون مخصصا لأدلة التأسي العامة. قوله: ركعتين في بيته استدل به على أن سنة الجمعة ركعتان. وممن فعل ذلك عمران بن حصين، وقد حكاه الترمذي عن الشافعي وأحمد، قال العراقي: لم يرد الشافعي وأحمد بذلك إلا بيان أقل ما يستحب، وإلا فقد استحبا أكثر من ذلك، فنص الشافعي في الام على أنه يصلي بعد الجمعة أربع ركعات ذكره في باب صلاة الجمعة والعيدين. ونقل ابن قدامة عن أحمد أنه قال: إن شاء صلى بعد الجمعة ركعتين، وإن شاء صلى أربعا، وفي رواية عنه: وإن شاء ستا، وكان ابن مسعود والنخعي وأصحاب الرأي يرون أن يصلي بعدها أربعا لحديث أبي هريرة. وعن علي عليه السلام وأبي موسى وعطاء ومجاهد وحميد بن عبد الرحمن والثوري أنه يصلي ستا لحديث ابن عمر المذكور في الباب.
(وقد اختلف) في الأربع الركعات هل تكون متصلة بتسليم في آخرها أو يفصل بين كل ركعتين بتسليم؟ فذهب إلى الأول أهل الرأي وإسحاق بن راهويه وهو ظاهر حديث أبي هريرة، وذهب إلى الثاني الشافعي والجمهور كما قال العراقي، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: صلاة النهار مثنى مثنى أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه وقد تقدم، والظاهر القول الأول لأن دليله خاص، ودليل القول الآخر عام، وبناء العام على الخاص واجب. قال أبو عبد الله المازري وابن العربي: أن أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن يصلي بعد الجمعة بأربع لئلا يخطر على بال جاهل أنه صلى ركعتين لتكملة الجمعة، أو لئلا يتطرق أهل البدع إلى صلاتها ظهرا أربعا. (واختلف) أيضا هل الأفضل فعل سنة الجمعة في البيت أو في المسجد؟ فذهب إلى الأول الشافعي ومالك وأحمد وغيرهم، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح: أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة وأما صلاة ابن عمر في مسجد مكة فقيل لعله كان يريد التأخر في مسجد مكة للطواف بالبيت، فيكره أن يفوته بمضيه إلى منزله لصلاة سنة الجمعة، أو أنه يشق عليه الذهاب إلى منزله ثم الرجوع إلى المسجد للطواف، أو أنه كان يرى النوافل تضاعف بمسجد مكة دون بقية مكة أو كان له أمر متعلق به.