والتخفيف في تأخير إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها، وفعل الأولى في أول وقتها متحقق بالنسبة إلى فعل كل واحدة منهما في أول وقتها، كما كان ذلك ديدنه صلى الله عليه وآله وسلم حتى قالت عائشة: ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين حتى قبضه الله تعالى. ولا يشك منصف أن فعل الصلاتين دفعة والخروج إليهما مرة أخف من خلافه وأيسر. وبهذا يندفع ما قاله الحافظ في الفتح إن قوله (ص) لئلا تحرج أمتي يقدح في حمله على الجمع الصوري لأن القصد إليه يخلو عن حرج، فإن قلت: الجمع الصوري هو فعل لكل واحدة من الصلاتين المجموعتين في وقتها فلا يكون رخصة بل عزيمة، فأي فائدة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لئلا تحرج أمتي مع شمول الأحاديث المعينة للوقت للجمع الصوري، وهل حمل الجمع على ما شملته أحاديث التوقيت إلا من باب الاطراح لفائدته وإلغاء مضمونه؟ قلت:
لا شك أن الأقوال الصادرة منه صلى الله عليه وآله وسلم شاملة للجمع الصوري كما ذكرت، فلا يصح أن يكون رفع الحرج منسوبا إليها، بل هو منسوب إلى الأفعال، ليس إلا لما عرفناك من أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما صلى صلاة لآخر وقتها مرتين، فربما ظن ظان أن فعل الصلاة في أول وقتها متحتم لملازمته (ص) لذلك طول عمره، فكان في جمعه جمعا صوريا تخفيف وتسهيل على من اقتدى بمجرد الفعل، وقد كان اقتداء الصحابة بالافعال أكثر منه بالأقوال، ولهذا امتنع الصحابة رضي الله عنهم من نحر بدنهم يوم الحديبية بعد أن أمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بالنحر حتى دخل (ص) على أم سلمة مغموما فأشارت عليه بأن ينحر ويدعو الحلاق يحلق له ففعل، فنحروا أجمع وكادوا يهلكون غما من شدة تراكم بعضهم على بعض حال الحلق. ومما يدل على أن الجمع المتنازع فيه لا يجوز إلا لعذر ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس عن النبي (ص) قال: من جمع بين الصلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر وفي إسناده حنش بن قيس وهو ضعيف. ومما يدل على ذلك ما قاله الترمذي في آخر سننه في كتاب العلل منه ولفظه: جميع ما في كتابي هذا من الحديث هو معمول به، وبه أخذ بعض أهل العلم ما خلا حديثين: حديث ابن عباس:
أن النبي (ص) جمع بين الظهر والعصر بالمدينة والمغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر وحديث أنه قال (ص): إذا شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه انتهى. ولا يخفاك أن الحديث صحيح، وترك الجمهور للعمل به لا يقدح في صحته، ولا يوجب سقوط الاستدلال به، وقد أخذ به بعض أهل العلم كما سلف، وإن كان