أن ذلك محرم لولا ما ثبت عنه (ص) من الارتفاع على المنبر. وقد حكى المهدي في البحر الاجماع على أنه لا يضر الارتفاع قدر القامة من المؤتم في غير المسجد إلا بحذاء رأس الامام أو متقدما، واستدل لذلك أيضا بفعل أبي هريرة المذكور في الباب وقال:
المذهب أن ما زاد فسد، واستدل على ذلك بأن أصل البعد التحريم للاجماع في المفرط، ولا دليل على جواز ما تعدى القامة، ورد بأن الأصل عدم المانع، فالدليل على مدعيه، وذهب الشافعي، إلى أنه يعفى قدر ثلاثمائة ذراع، واختلف أصحابه في وجهه. وقال عطاء: لا يضر البعد في الارتفاع مهما علم المؤتم بحال الامام، وأما ارتفاع المؤتم في المسجد فذهبت الهادوية إلى أنه لا يضر ولو زاد على القامة، وكذلك قالوا: لا يضر ارتفاع الامام قدر القامة في المسجد وغيره، وإذا زاد على القامة كان مضرا من غير فرق بين المسجد وغيره.
(والحاصل) من الأدلة منع ارتفاع الامام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره، وبين القامة ودونها وفوقها لقول أبي سعيد: إنهم كانوا ينهون عن ذلك، وقول ابن مسعود: نهى رسول الله (ص) الحديث. وأما صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فقيل: إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم كما يدل عليه قوله: ولتعلموا صلاتي. وغاية ما فيه جواز وقوف الامام على محل أرفع من المؤتمين إذا أراد تعليمهم. قال ابن دقيق العيد: من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله، ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه انتهى. على أنه قد تقرر في الأصول أن النبي (ص) إذا نهى عن شئ نهيا يشمله بطريق الظهور ثم فعل ما يخالفه كان الفعل مخصصا له من العموم دون غيره، حيث لم يقم دليل على التأسي به في ذلك الفعل، فلا تكون صلاته على المنبر معارضة للنهي عن الارتفاع باعتبار الأمة، وهذا على فرض تأخر صلاته ص) على المنبر عن النهي عن الارتفاع، وعلى فرض تقدمها أو التباس المتقدم من المتأخر فيه الخلاف المعروف في الأصول في التخصيص بالمتقدم والملتبس. وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الامام فهو ممنوع للاجماع من غير فرق بين المسجد وغيره، وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع، ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه. قوله: فكبر وهو عليه ثم ركع لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية، وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبير،