قال أبو محمد: اما آية الوصية في السفر فحجة عليهم لا لهم وان احتجاجهم بها لفضيحة الدهر عليهم لوجوه ثلاثة كافية، أحدها انهم لا يأخذون بها فيما جاءت فيه فكيف يستحلون الاحتجاج بآية هم مخالفون لها، والثاني انه ليس فيها من تحليف المدعى عليه ولا رد اليمين على المدعى كلمة لا بنص ولا بدليل إنما فيها تحليف الشهود أولا وتحليف الشاهد والشاهدين بخلاف شهادة الأول فيكف سهل عليهم ابطال نص الآية وان يحكموا منها بما ليس فيها عليه لا دليل ولا نص ان هذه لمصيبة، ولو احتج بهذه الآية من يرى تحليف المشهود له مع بينته لكان أشبه في التمويه على ما روى عن شريح. والأوزاعي وغيرهما، وقد روى عن محمد بن بشير القاضي بقرطبة انه أحلف شهودا في تزكيه بالله ان ما شهدوا به لحق، وروى عن ابن وضاح أنه قال: أرى لفساد الناس أن يحلف الحاكم الشهود، ذكر ذلك خالد بن سعد في كتابه في أخبار فقهاء قرطبة فلو احتج أهل هذا المذهب بهذه الآية لكانوا أولى بها ممن احتج في رد اليمين على الطالب لا سيما مع ما في نصها من قول الله تعالى: (ذلك أدنى ان يأتوا بالشهادة على وجهها) ولكن يبطل هذا انه قياس والقياس كله باطل الا انه من أقوى قياس في الأرض. وأما حديث القسامة فاحتجاجهم به أيضا إحدى فضائحهم لان المالكيين. والشافعيين مخالفون لما فيه فاما المالكيون فخالفوه جملة وأما الشافعيون فخالفوا ما فيه من ايجاب القود فكيف يستحلون الاحتجاج بحديث قده ان عليهم خلافه فيما فيه وأرادوا من ذلك تثبيت الباطل الذي ليس في الحديث منه أثر أصلا وإنما في هذا الحديث تحليف المدعين أولا خمسين يمينا بخلاف جميع الدعاوى ثم رد اليمين على المدعى عليهم بخلاف قولهم فمن أين رأوا أن يقيسوا عليه ضده من تحليف المدعى عليه أولا فان نكل حلف المدعى ولم يقيسوا عليه في تبدية المدعى في سائر الدعاوى وأن يجعلوا الايمان في كل دعوى خمسين يمينا فهل في التخليط وخلاف السنن وعكس القياس وضعف النظر أكثر من هذا * وأما خبر اليمين مع الشاهد فحق ولا حجة لهم فيه لان قولهم: ان النكول يقوم مقام الشاهد باطل لم يأت به قط قرآن. ولا سنة. ولا معقول، وقد ينكل المرء عن اليمين تصاونا وخوف الشهرة والا فمن استجاز أكل المال الحرام بالباطل فلا ينكر منه أن يحلف كاذبا وإنما البينة على المدعى فلم يجب بعد على المنكر يمين فلما أتى المدعى بشاهد واحد كان بعد في حكم طلبه البينة ولم يجب بعد يمين على المطلوب فحكم النبي صلى الله عليه وسلم للطالب بيمينه ابتداء لا ردا لليمين عليه، فان أبى فقد اسقط حكم شاهده وإذا أسقط حكم شاهده فلا بينة له وإذ لا بينة له فالآن وجبت اليمين على المطلوب لا ان ههنا رد يمين أصلا فبطل تعلقهم بالنصوص المذكورة والحمد لله رب العالمين،
(٣٧٩)