كما أن راكب السفينة إذا نظر إلى البحر يرى السفينة ساكنة ويرى الماء متحركا، والقطرة النازلة من السماء ترى خطا مستقيما، والشعلة الجوالة ترى دائرة من النار، والأشياء الصغيرة ترى في الماء كبيرة، وغير ذلك من أغلاط البصر.
الثاني: أن المحسوسات قد يختلط بعضها ببعض إذا كانت مدركة بسرعة النظر، لأن القوة الباصرة إذا وقفت على محسوس وقوفا تاما في زمان معتد به أدركته على نحو لا يشتبه بغيره كثيرا، وأما إذا أدركته في زمان قليل ثم أدركت محسوسا آخر وهكذا فإنه يختلط بعضه ببعض.
الثالث: أنه قد تشغل النفس بشئ فلا تشعر حينئذ بشئ، وإن كان حاضرا عند الانسان كالوارد على السلطان فإنه قد يلقاه شخص فيتكلم معه ولكن لا يلتفت إليه، والناظر في المرآة يرى القذارة في عينيه ولا يرى أكبر منها.
إذا عرفت هذه الأمور اتضح لك تصوير هذا النوع من السحر، فإن المشعبذ الحاذق يشغل أذهان الناظرين بأمور ويأخذ بأبصارهم ثم يعمل شيئا آخر بسرعة شديدة وبحركة خفيفة، فيظهر لهم غير ما انتظروه فيتعجبون منه.
أقول: هذا النوع هو المعروف بالشعوذة فلا يرتبط بالسحر، وسيأتي أنه لا دليل على حرمتها، فإنها ليست إلا الحركة السريعة في الأعضاء فلا معنى لحرمتها في نفسها إلا إذا اقترنت بعناوين محرمة، نعم أطلق عليها السحر في خبر الاحتجاج المتقدم في الحاشية، فإنه قد ذكر الإمام (عليه السلام) فيه: ونوع آخر منه خطفة وسرعة ومخاريق وخفة، إلا أنه على سبيل المجازية، فقد عرفت الفرق بين السحر والشعوذة وعدم صدق كل منهما على الآخر.