يعقل بينهما ثالث أو أكثر فاعلم ذلك ثم إن الزمان والمكان من لواحق الأجسام الطبيعية أيضا غير أن الزمان أمر متوهم لا وجود له تظهره حركات الأفلاك أو حركات المتحيزات إذا اقترن بها السؤال بمتى فالحيز والزمان لا وجود له في العين أيضا وإنما الوجود لذوات المتحركات والساكنات وأما المكان فهو ما تستقر عليه المتمكنات لا فيه فإن كانت فيه فتلك الأحياز لا المكان فالمكان أيضا أمر نسبي في عين موجودة يستقر عليها المتمكن أو يقطعه بالانتقالات عليه لا فيه فإن اتصلت المتحيزات بطريق المجاورة على نسق خاص لا يكون فيه تداخل فذلك الاتصال فإن توالت الانتقالات حالا بعد حال فذلك التتابع والتتالي من غير أن يتخللها فترة فإن دخل بعضها على بعض ولم يفصل الداخل بين المتصلين فذلك الالتحام فما دخل في الوجود منه وصف بالتناهي وما لم يدخل قيل فيه إنه لا يتناهى إن فرض متتاليا أبدا وإن أعطت هذه الانتقالات استحالة كان الكون والفساد فانتقال الشئ من العدم إلى الوجود يكون كونا وإزالة ما ظهر عنه من صورة الكون يسمى فسادا فإذا انتقل من وجود إلى وجود يسمى متحركا وأما ما يلحق هذه الأجسام من الألوان والأشكال والخفة والثقل واللطف والكثافة والكدورة والصفا واللين والصلابة وما أشبه ذلك من لواحقه فإنه يرجع إلى أسباب مختلفة فأما الألوان فعلى قسمين منها ألوان تقوم بنفس المتلون ومنها ألوان تظهر لناظر الرائي وما هي في عين المتلون لاختلاف الأشكال وما يعطيه النور في ذلك الجسم فإنه بالنور يقع الإدراك وكذلك الأشكال مثل الألوان ترجع إلى أمرين إلى حامل الشكل وإلى حس المدرك له وأما ما عداه مما ذكرناه من لواحق الأجسام فهي راجعة إلى المدرك لذلك لا إلى أنفسها ولا إلى الذات الموصوفة التي هي الأجسام الطبيعية هذا عندنا فإن اللطيفة كالهواء لا تضبط صورة النور والجسم الكثيف يظهره ورأينا من لا يحجبه الكثائف وصورتها عنده صورة اللطائف في نفوذ الإدراك فإذا ما هي كثائف إلا عند من ليس له هذا النفوذ فمنا من لا يحجبه الجدران ولا يثقله شئ فصار مال هذه الأوصاف إلى المدرك ولو كانت لذوات الأجسام لوقع التساوي في ذلك كما وقع التساوي في كونها أجساما فإذا ليس حكم اللواحق يرجع إلى ذوات الأجسام عندنا وأما عند الطبيعيين فإنهم وإن اختلفوا فما هم على طريقنا في العلم بهذا واعلم أن الشئ الواحد العين إذا ظهرت عنه الآثار المختلفة فإن ذلك من حيث القوابل لا من حيث عينه ومن هنا إذا حققت هذه المسألة يبطل قول الحكيم لا يصدر عن الواحد إلا واحد وصورة ذلك في العنصر الذي نحن بصدده إن النار بما هي نار لا يتغير حكمها من حيث ذاتها وتجد آثارها مختلفة الحكم فتنير أجساما ولا تنير أجساما مع أن إنارتها بالاشتعال فالهواء لها مساعد وتعقد أشياء وتسيل أشياء وتسود وتبيض وتسخن وتحرق وتنضج وتذيب الجوامد وهي على حقيقة واحدة واستعداد القوابل مظهر اختلاف الآثار منها في الحكم فالعين واحدة والحكم مختلف ويدرك العلم ما لا يدرك البصر واعلم أن الأشياء بآحادها لها حكم وبامتزاجاتها تحدث لها أحكام لم تكن ولا لواحد منها ولا يدرى على الحقيقة من هو المؤثر من أحد الممتزجين هل هو لواحد أو هل لكل واحد فيه قوة والذي حدث لا يقدر على إنكاره فإنا نعرف سواد المداد حدث بعد أن لم يكن من امتزاج الزاج والعفص فهل الزاج صبغ العفص وهو المؤثر والعفص هو المؤثر فيه اسم مفعول ولو كان ذلك لبقى الزاج على حاله إذا كان غير ممتزج وينصبغ ماء العفص والمشهود خلاف ذلك وكذلك القول في العفص فلم يبق إلا حقيقة المزج وهي التي أحدثت السواد ما هو لواحد بعينه حقيقة ما قلناه في الإلهيات سنفرغ لكم أيه الثقلان ويأتي الله يوم القيامة للفصل والقضاء وبيده الميزان يخفض ويرفع الله ولا عالم هل يتصف بوقوع هذا الفعل فظهر بالعالم ما لم يظهر ولا عالم فليس الحكم على السواء فقال النبي صلى الله عليه وسلم كان الله ولا شئ معه ولم يقل وهو الآن على ما عليه كان كيف يقول ذلك صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق بالله وهو الذي جاء من عند الله بقوله كل يوم هو في شأن وسنفرغ لكم أيه الثقلان وفرع ربك من كذا وكذا وينزل ربنا إلى السماء وقد كان ولا سماء ولا عالم هل كان يوصف بالنزول إلى من أو من أين ولا أين ثم أحدث الأشياء فحدثت النسب فاستوى ونزل وأخذ الميزان فخفض ورفع بذا وردت الأخبار التي لا تردها العقول السليمة من الأهواء والايمان بها واجب والكيف غير معقول فهو الواحد الواجد الأحد الماجد الذي ليس كمثله شئ لولا وجود النفس واستعدادات المخارج
(٤٥٨)