الحق والحق والغيبة وجود ما هي عدم فوقع التناسب بين الموجودين فاندرج الأضعف في الأقوى فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس عشر ومائة في معرفة القناعة وأسرارها) إن القناعة باب أنت داخله * إن كنت ذاك الذي يرجى لخدمته فاقنع بما أعطت الأيام من نعم * من الطبيعة لا تقنع بنعمته لو كان عندك مال الخلق كلهم * لم يأكل الشخص منه غير لقمته ليست القناعة عندنا الاكتفاء بالموجود من غير طلب المزيد أرسل الله تعالى على أيوب وهو نبي مكرم قيل فيه نعم العبد إنه أواب وأثنى عليه بالصبر مع دعائه ربه في كشف الضر عنه فازاله فلما أرسل عليه رجلا من جراد من ذهب فأخذ يجمعه في ثوبه فقال له ربه ألم أكن أغنيتك عن هذا فقال يا رب لا غنى بي عن خيرك فإن كان فعل هذا لما هو عليه ظاهر الحال فهو ما أردنا وإن كان ليقتدي به في ذلك فما فعل إلا ما هو أولى بالقربة إلى الله من تركه وهو من الذين هدى الله وأمر الله نبيه ص بالاقتداء بهداهم وقال لنا لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة والقناعة عندنا على بابها في اللسان وهي المسألة والقانع السائل والسؤال من الله لا من غيره يقال قنع يقنع قنوعا إذا سأل وهو الذي رفع سؤاله إلى الله وهو قوله في الظالمين يوم القيامة مقنعي رؤوسهم أي رافعين إلى الله يسألونه المغفرة عن جرائمهم ويجتمع الحدان في أمر وهو أن السائلين الله قنعوا به في سؤالهم والتجائهم إليه فلم يسألوا غيره تعالى فهذا معنى قول الأكابر الاكتفاء بالموجود وهو الله بالسؤال عن طلب المزيد وهو أن يتعدى بالسؤال إلى غيره والخلق عيال الله أي الفقراء إلى الله فمن سأل غير الله فليس بقانع ويخاف عليه من الحرمان والخسران فإن السائل موصوف بالركون لمن سأله والله يقول ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ومن ركن إلى جنسه فقد ركن إلى ظالم فإن الله يقول في الإنسان إنه كان ظلوما لحمله الأمانة وما من أحد من الناس إلا حملها فلا تركن إلى غير الله واكتف بالله في سؤالك تسعد إن شاء الله وللقناعة درجات عند العارفين من أهل الأنس والوصال وهي ستمائة واثنتان وخمسون درجة ودرجاتها عند العارفين من أهل الأدب والوقوف مائتان وسبع وخمسون درجة ودرجاتها عند الملامية من أهل الأنس والوصال ستمائة وإحدى وعشرون درجة ودرجاتها عند الملامتية من أهل الأدب والوقوف مائتان وست وعشرون درجة وللقناعة الدعوى ولها نسبتان نسبة إلى عالم الجبروت ونسبة إلى عالم الملكوت وليس لها إلى عالم الملك نسبة ظاهرة بل لها نسبة باطنة إلى عالم الملك يظهر ذلك القنوع وهذا القدر كاف فيها والله الموفق (الباب السابع عشر ومائة في مقام الشرة والحرص في الزيادة على الاكتفاء) لا تقنعن بشئ دونه أبدا * واشره فإنك مجبول على الشره واحرص على طلب العلياء تحظ * بها فليس نائمها عنها كمنتبه إن الحلال حلال ما وثقت به * وليس مال حرام مثل مشتبه اعلم أيدك الله أن هاتين الصفتين مجبول عليهما الإنسان بما هو إنسان وكل ما هو الإنسان مجبول عليه فمن المحال زواله فهو مقام لا حال فإنه ثابت ويتطرق إليه الذم من جهة متعلقة إذا كان مذموما شرعا وعقلا قال تعالى ولتجدنهم أحرص الناس على حياة وقال ص زادك الله حرصا ولا تعد فالآية موجهة لطرفي الحمد والذم لولا الضمير الذي في قوله ولتجدنهم فإنه يعود على قوم مذمومين وقرينة الحال تدل على أن مساقه الحرص فيها على الذم تكذيبا لهم فيما ادعوه من أن الدار الآخرة خالصة لهم من دون الناس فمن نظر في الحرص هنا الدلالة على كذبهم كان محمودا فيهم لأنه دليل إلهي على كذبهم فهو من جانب الحق فيهم عليهم حجة لله ولله الحجة البالغة والمذموم هو المذموم من كل وجه من حيث ما هو فيهم لا من حيث دلالته عليهم وكان متعلقة ما يفنى وتكذيب الصادق كان مذموما وأما في الخبر الذي أوردناه فهو محمود لأنه حرص على أداء عبادة مفروضة ثم إنه مع هذا فإنهما صفتان من صفات العالم الوارث
(١٩٨)