في مظهره وإنما يحكم فيما دونه فلا حكم للزمان في حركات الفلك لأنه المظهر عينه وللحوادث الظاهرة والطارئة في الأفلاك والسماوات والعالم العلوي أسباب غير الزمان وحركات الفلك مرتبة متتالية الأجزاء على طريقة واحدة كتحرك الرحى فكل جزء لا يفارق مجاورة وحركة الأركان ليست كذلك فإن حركة العنصر متداخلة بعضها في بعض يزول كل جزء عن الجزء الذي كان يجاوره ويعمر أحيازا غير أحيازه التي كان فيها فأسباب حركة العنصر تخالف أسباب حركة الفلك لأن حركة الفلك ما تعرف سوى ما تعطيه في الأركان من التحريك وشعاعات كواكبها بما أودع الله فيها من العقل والروح والعلم تعطي في أشخاص كل نوع من المولدات على التعيين من معدن ونبات وحيوان وجن وملك مخلوق من عمل أو نفس بقول من تسبيح وذكر أو تلاوة وذلك لعلمها بما أودع الله لديها وهو قوله تعالى وأوحى في كل سماء مرها فمن لا كشف له يرى أن ذلك كله الكائن عن سريانها إنها مسخرات في حركاتها لإيجاد هذه الأمور كتحريك الصانع للآلات لإيجاد صورة ما يريد إيجادها كالصورة في الخشب وغيره ولا تعرف الآلات شيئا من ذلك ولا ما صدر عنها وإن كانت تلك الصور لا تظهر إلا بهذه الآلات هكذا يزعم من يذهب إلى غير ما ذهبنا إليه وذهب إليه أهل الله من أهل الكشف والوجود ونحن نقول إن آلة النجار ربما تعلم أكثر مما يعلم الصانع بها فإنها حية ناطقة عالمة بخالقها مسبحة بحمد ربها عالمة بما خلقت له عند أهل الكشف فإن المكاشف إذا كشف الله عن بصره وسمعه تناديه أشجار الأرض ونجمها بمنافعها ومضارها كما قالت الأحجار لداود عليه السلام يقول كل حجر يا داود خذني فإنا أقتل جالوت وقال له الحجر الآخر خذني فإني أجعل الكسرة في ميمنة عسكره فقد علم كل حجر ما خلق له فأخذ داود تلك الأحجار فوقع الأمر كما ذكرت ولما لم يبلغ بعض الناس هذه الدرجة ولا طولع بها أنكرها ولم يكن ينبغي له ذلك فما من متحرك في العالم إلا وهو عالم بما إليه يتحرك إلا الثقلين فقد يجهلون ما يتحركون إليه بل يجهلون إلا من شاء الله من أهل الكشف من مريد وغيره قال الله للسماء والأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين وإتيان الأرض حركة وانتقال لما دعيت إليه فجاءت طائعة فكل جزء في الكون عالم بما يراد منه فهو على بصيرة حتى أجزاء بدن الإنسان فما يجهل منه إلا لطيفته المكلفة الموكلة إلى استعمال فكرها أو تنظر بنور الايمان حتى يظهر ذلك النور على بصرها فيكشف ما كان خبرا عندها فإذا كانت حركة العنصر تخالف حركة الفلك بالتداخل وبما يطرأ عليها من السكون في بعض أجزاء العنصر لا في كله فنعلم قطعا إن حكم الحركة في العنصر يخالف حكم حركة الفلك فحكم حركة العنصر أي عنصر كان فإن كان بين عنصرين كالهواء والماء أو لا يكون بين عنصرين كالنار والأرض فحركة الهواء العنصري يظهر فيه من الأثر بحسب ما يباشر منه ما فوقه وما تحته وكذلك عنصر الماء وأما حركة النار فلا تؤثر فيه إلا الهواء وحركة الأرض لا تؤثر فيه إلا الماء والهواء وبهذا يفارق هذا العنصر عنصر النار فإذا أثر النار التسخين فيما عداه من الأركان فيأخذ أمرين إما بوساطة شعاع الكوكب الأعظم وهو الشمس فإن شعاعها يمر على الأثير فيكتسب زيادة كميات في حرارته أو بوساطة النار المحمولة في الفحم أو الحطب وهذه الآثار التي تظهر في العنصر من غيره إن لم يكن له إمداد من العنصر الذي ظهر عنه ذلك الأثر والأغلب عليه حكم العنصر الذي ظهر فيه الأثر فأفسده فهذا من أنواع الكون والفساد الظاهر في أجسام العناصر ثم لتعلم إن التحقيق في الحركة والسكون أنهما نسبتان للذوات الطبيعية المتحيزة المكانية أو القابلة للمكان إن كانت في الإمكان وذلك أن المتحيز لا بد له من حيز يشغله بذاته في زمان وجوده فيه فلا يخلوا ما أن يمر عليه زمان ثان أو أزمنة وهو في ذلك الحيز عينه فذلك المعبر عنه بالسكون أو يكون في الزمان الثاني في الحيز الذي يليه وفي الزمن الثالث في الحيز الذي يلي الحيز الثاني فظهوره وأشغاله لهذه الأحياز حيزا بعد حيز لا يكون إلا بالانتقال من حيز إلى حيز ولا يكون ذلك إلا بمنقل فإن سمي ذلك الانتقال حركة مع عقلنا إنه ما ثم إلا عين المتحيز والحيز وكونه شغل الحيز الآخر المجاور لحيزه الذي شغله أولا فلا يمنع ومن ادعى أن ثم عينا موجودة تسمى حركة قامت بالمتحيز أوجبت له الانتقال من حيز إلى حيز فعليه بالدليل فما انتقل إلا بمنقل أما إن كان ذا إرادة فبإرادته أو بمنقل غيره نقله من حيز إلى حيز وكذلك الاجتماع والافتراق نسبتان للمتحيزات فالاجتماع كون متحيزين متجاورين في حيزين لا يعقل بينهما ثالث والافتراق أن
(٤٥٧)