تأبى الرذائل فهي نفوس الكرام من عباد الله والتحق بهذه الصفة بالملأ الأعلى الذين قال الله فيهم إن صحفه بأيدي سفرة كرام بررة فنعتهم بأنهم كرام فكل وصف يلحقك بالملأ الأعلى فهو شرف في حقك فإن العارفين من عباد الله يجعلون بينهم وبين نعوت الحق عند التخلق بأسمائه ما وصف الله به الملأ الأعلى من تلك الصفة فيأخذونها من حيث هي صفة لعبيد من عباد الله مطهرين لا من حيث هي صفة للحق تعالى فإن شرفهم أن لا يبرحوا من مقام العبودية وهذا الذوق في العارفين عزيز فإن أكثر العارفين إنما يتخلقون بالأسماء الحسنى من حيث ما هي أسماء الله تعالى لا من حيث ما ذكرناه من كون الملأ الأعلى قد اتصف بها على ما يليق به فلا يتخلق العارف بها إلا بعد أن اكتسبت من اتصاف الملأ الأعلى روائح العبودة فمثل هؤلاء لا يجدون في التخلق بها طعما للربوبية التي تستحقها هذه الأسماء فمن عرف ما ذكرناه وعمل عليه ذاق من علم التجلي ما لم يذقه أحد ممن وجد طعم الربوبية في تخلقه وصفات أولياء الله في كتاب الله المودع كلام الله كثيرة ومن أعلى الثناء وأكمله ما أوقع الاشتراك فيه بما يدل على المفاضلة وأكثر من هذا التنزل الإلهي ما يكون ولولا إن الكيان مظاهر الحق فكان نزوله منه إليه لما أطاق العارفون حمل كلام الحق ولا سماعه فجعل نفسه أرحم الراحمين بعباده وأحكم الحاكمين بفصل قضائه وأحسن الخالقين بتقديره وخير الغافرين بستر جلاله وخير الفاتحين لمغالق غيوبه وخير الفاصلين بأحكام حكمته فهم لأماناتهم وعهدهم راعون بكلايته وبشهادتهم قائمون بين يديه في بساط جلاله وداعون إليه على بينة منه وبصيرة بما يطلبه حسن بلائه وهم العاملون بأوامره والراسخون في العلم بشهادة توحيده بلسان إيمانه وأولو الأبصار بالاعتبار في مخلوقاته وأولو النهى بما زجرهم به في خطابه وأولو الألباب بما حفظهم من الاستمداد لبقاء نوره وهم العارفون عن الناس لما حجهم به عن الاطلاع إلى سابق علمه والكاظمون الغيظ لتعدي حدوده والمنفقون مما استخلفهم فيه أداء أمانة لمن شاء من عبيده والمستغفرون بالأسحار عند تجليه من سمائه والشاكرون لما أسداه من آلائه والفائزون بما وهبهم من معرفته والسابقون على نجب الأعمال إلى مرضاته والأبرار بما غمرهم به من إحسانه والمحسنون بما أشهدهم من كبريائه والمصطفون من بين الخلائق باجتبائه والأعلون بإعلاء كلمته على كلمة أعدائه والمقربون بين أسمائه وأنبيائه والمتفكرون فيما أخفاه من غامض حكمته في أحكامه والمذكرون من نسي إقراره بربوبيته عند أخذ ميثاقه والناصرون أهل دينه على من ناواهم فيه ابتغاء منازعته وإن كان بقضائه أولئك عباد الله الذين ليس لأحد عليهم سلطان لكونهم من أهل الحجة البالغة لما تكلموا بالنيابة عنه في كلامه فهو لسانهم وسمعهم وبصرهم ويدهم في نوره وظلماته ولو تقصينا ما ذكر الله في كتابه من صفات أولياءه وشرحنا ما خصوا به لم يف بذلك الوقت فإذ ولا بد من الاقتصاد في الاقتصار فليكف هذا القدر الذي ذكرناه من ذلك إجمالا وتفصيلا وموقتا وغير موقت واعلم أنه من شم رائحة من العلم بالله لم يقل لم فعل كذا وما فعل كذا وكيف يقول العالم بالله لم فعل كذا وهو يعلم أنه السبب الذي اقتضى كل ما ظهر وما يظهر وما قدم وما أخر وما رتب لذاته فهو عين السبب فلا يوجد لعلة سواه ولا يعدم سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا فمشيئته عرش ذاته كذا قال أبو طالب المكي إن عقلت فإن فتح لك في علم نسب الأسماء الإلهية التي ظهرت بظهور المظاهر الإلهية في أعيان الممكنات فتنوعت وتجنست وتشخصت قد علم كل أناس مشربهم وكل قد علم صلاته وتسبيحه فسبب ظهور كل حكم في عينه اسمه الإلهي وليست أسماؤه سوى نسب ذاتية فاعقل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل انتهى الجزء التاسع والسبعون (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل من هذا الباب) اعلم أن الدعاوي لما استطال لسانها في هذا الطريق من غير المحققين قديما وحديثا جرد الإمام صاحب الذوق التام محمد ابن علي الترمذي الحكيم مسائل تمحيص واختبار وعددها مائة وخمسة وخمسون سؤالا لا يعرف الجواب عنها إلا
(٣٩)