كمية جسم النور وأكبر من فتيلة نزلت عن هذه في الصفة من النظافة والصفاء فكان التفاوت بين الأنوار بحسب استعدادات الفتائل ومع هذا فلم ينقص من السراج الأول شئ بل هو على كماله كما كان وكل سراج من هذه السرج يضاهيه ويقول أنا مثله وبأي شئ فضل علي وأنا يؤخذ مني كما يؤخذ منه ويصول ويقول وما يرى فضله عليه من وجه إنه الأصل وله التقدم والثاني إنه في غير مادة ولا واسطة بينه وبين ربه وما عداه فلم يظهر له وجود إلا به وبالمواد التي قبلت الاشتعال منه فظهرت أعيان العقول هذا كله غاب عنها بل ما لها فيه ذوق كيف يدرك من لا وجود له إلا بين أب وأم حقيقة من كان وجوده عن غير واسطة وإذا كانت العقول تعجز عن إدراك العقل الأول التي ظهرت عنه فعجزها عن إدراك خالق العقل الأول وهو الله تعالى أعظم فإنه أول ما خلق الله العقل وهو الذي ظهرت منه هذه العقول بوساطة هذه النفوس الطبيعية فهو أول الآباء وسماه الله في كتابه العزيز الروح وأضافه إليه فقال في حق النفوس الطبيعية وحق هذا الروح وحق هذه الأرواح الجزئية التي لكل نفس طبيعية فإذا سويته ونفخت فيه من روحي وهو هذا العقل الأكبر ولهذا يقال فيه العقل الغريزي معناه الذي اقتضته هذه النشأة الطبيعية باستعدادها الذي هو عبارة عن تسويتها وتعديلها لقبول هذا الأمر واعلم أن أصل كل متكثر الواحد فالأجسام ترجع إلى جسم واحد والأنفس ترجع إلى نفس واحدة والعقول ترجع إلى عقل واحد ولكن لا يكون من الواحد الكثرة بمجرد أحديته بل بنسب إذا تأملت ما ذكرناه وجدته كذلك فيكون كان ذلك الواحد انقسم إلى هذه الكثرة لا أنه انقسم في نفسه إما لكونه لا يقبل القسمة كالنفوس والعقول والأصل المرجوع إليه وإما لكونه في قوته أن تكون منه هذه الكثرة من غير أن ينقص منه من حيث جسميته كالجسوم التي يتولد عنها الحيوان بماء أو ريح فذلك الماء أو الريح ليس هو من حد هذا الجسم الذي تكون عنه ما تكون (السؤال الأربعون) ما صفة آدم عليه السلام الجواب إن شئت صفته الحضرة الإلهية وإن شئت مجموع الأسماء الإلهية وإن شئت قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته فهذه صفته فإنه لما جمع له في خلقه بين يديه علمنا أنه قد أعطاه صفة الكمال فخلقه كاملا جامعا ولهذا قبل الأسماء كلها فإنه مجموع العالم من حيث حقائقه فهو عالم مستقل وما عداه فإنه جزء من العالم ونسبة الإنسان إلى الحق من جهة باطنه أكمل في هذه الدار الدنيا وأما في النشأة الآخرة فإن نسبته إلى الحق من جهة الظاهر والباطن وأما الملك فإن نسبته من جهة الظاهر إلى الحق أتم ولا باطن للملك ولكن إلى الحق من حيث هو مسمى الله لا من حيث ذاته فإنه من حيث ذاته هو لذاته ومن حيث مسمى الله يطلب العالم فكان العالم لم يعلم من الحق سوى المرتبة وهي كونه الهاربا ولهذا لا كلام له فيه إلا في هذه النسب والإضافات وسمي بآدم لحكم ظاهره عليه فإنه ما عرف منه سوى ظاهره كما أنه ما عرف من الحق سوى الاسم الظاهر وهو المرتبة الإلهية فالذات مجهولة وكذلك كان آدم عند العالم من الملائكة فمن دونهم مجهول الباطن وإنما حكموا عليه بالفساد أي بالإفساد من ظاهر نشأته لما رأوها قامت من طبائع مختلفة متضادة متنافرة فعلموا أنه لا بد أن يظهر أثر هذه الأصول على من هو على هذه النشأة فلو علموا باطنه وهو حقيقة ما خلقه الله عليه من الصورة لرأوا الملائكة جزءا من خلقه فجهلوا أسماءه الإلهية التي نالها بهذه الجمعية لما كشف له عنه فأبصر ذاته فعلم مستنده في كل شئ ومن كل شئ فالعالم كله تفصيل آدم وآدم هو الكتاب الجامع فهو للعالم كالروح من الجسد فالإنسان روح العالم والعالم الجسد فبالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير والإنسان فيه وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوي بغير روح وكمال العالم بالإنسان مثل كمال الجسد بالروح والإنسان منفوخ في جسم العالم فهو المقصود من العالم واتخذ الله الملائكة رسلا إليه ولهذا سماهم ملائكة أي رسلا من المالكة وهي الرسالة فإن أخذت الشرف بكمال الصورة قلت الإنسان أكمل وإن أخذت الشرف بالعلم بالله من جانب الحق لا من طريق النظر فالأفضل والأشرف من شرفه الله بقوله هذا أفضل عندي فإنه لا تحجير عليه في إن يفضل من شاء من عباده فإن العلم بالله الذي يقع به الشرف لا حد له ينتهي إليه (السؤال الحادي والأربعون) ما توليته الجواب إن الله تولاه بثلاث منها توليته في خلقه بيديه ومنها
(٦٧)