يتضمن التفريق والفرق الذي يتضمن الجمع ويظهر هذا الخلق من حضرة العزة والإبانة والحكمة والكرم ومن هذه الأخلاق خلق النور المستور وهو من أعز المعارف إذ لا يتمكن في النور أن يكون مستورا فإنه لذاته يخرق الحجب ويهتك الأستار فما هذا الستر الذي يحجبه إلا إن ذلك الحجاب هو أنت كما قال العارف فأنت حجاب القلب عن سر غيبه ولولاك لم يطبع عليه ختامه ومن هذه الأخلاق خلق اليد وهو القوة وهو مخصوص بالقلوب وأصحابها وهو على مراتب ومن هذه الأخلاق خلق إعدام الأسباب في عين وجودها وهو على مراتب وقفت منها في الأندلس على مائة مرتبة لا توجد في الكمال إلا في روحانية ذلك الإقليم فإنه لكل جزء من الأرض روحانية علوية تنظر إليه ولتلك الروحانية حقيقة إلهية تمدها وتلك الحقيقة هي المسماة خلقا إلهيا وأما بقية الأخلاق فلها مراتب دون هذه التي ذكرناها في الإحاطة والعموم ولكل خلق من هذه الأخلاق درجة في الجنة لا ينالها إلا من له هذا الخلق وهذه الأربع التي ذكرناها منها للرسل ومنها للأنبياء ومنها للأولياء ومنها للمؤمنين وكل طبقة من هؤلاء الأربع على منازل بعددهم فمنها ما يشاركهم فيها الملأ الأعلى ومنها ما تختص به تلك الطبقة وذلك أن كل أمر يطلب الحق ففيه يقع الاشتراك وكل أمر يطلب الخلق فهو يختص بذلك النوع من الخلق يقتصر عليه ومن الباقي أربعة عشر خلقا لا يعلمها إلا الله والباقي من الأخلاق تعينها أسماء الإحصاء وهي أسماء لا يعرفها إلا ولي أو من سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة وأما من طريق النقل فلا يحصل بها علم وأما الثلاثة عشر فيختص بعلمها سبحانه وما بقي فيعلمه أهل الجنة وهم في العلم بها على طبقات وأعني بأهل الجنة الذين هم أهلها فإنه لله سبحانه أهل هم أهله لا يصلحون لغيره كما ورد في الخبر أن أهل القرآن هم أهل الله وخاصته وللجنة أهل هم أهلها لا يصلحون إلا لها لا يصلحون لله وإن جمعتهم حضرة الزيارة ولكن هم فيها بالعرض وللنار أهل هم أهلها لا يصلحون لله ولا للجنة ولكل أهل فيما هم فيه نعيم بما هم فيه ولكن بعد نفوذ أمر سلطان الحكم العدل القاضي إلى أجل مسمى وكل طائفة لها شرب وذوق في هذه الأخلاق المذكورة في هذا الباب فانقسمت هذه الأخلاق على هؤلاء الطبقات الثلاث كل خلق منها يدعوهم إلى ما يقتضيه أمره وشأنه من نار أو جنان أو حضور عنده حيث لا أين ولا كيف وللمعاني المجردة منها أخلاق ولعالم الحس منها أخلاق ولعالم الخيال منها أخلاق فجنة محسوسة لمعنى دون حس وجنة معنوية لحس دون معنى وحضور مع الحق معنوي لحس دون معنى وحضور مع الحق محسوس لمعنى ونار محسوسة لمعنى دون حس ونار معنوية لحس دون معنى وتتفاضل مشارب هؤلاء الطبقات فيها فمنهم التام والأتم والكامل والأكمل فسبحان من بيده ملكوت كل شئ وإليه ترجعون في كل حضرة فإنه كلما أثبتناه من أعيان أكوان في نار وجنان فليس إلا الحق إذ هي مظاهره فالنعيم به لا يصح أصلا في غير مظهر فإنه فناء ليس فيه لذة فإذا تجلى في المظاهر وقعت اللذات والآلام وسرت في العالم ويرحم الله من قال فهل سمعتم بصب سليم طرف سقيم منعم بعذاب معذب بنعيم فبه النعيم وبه العذاب فلا يوجد النعيم أبدا إلا في مركب وكذلك العذاب وأما النعيم والعذاب البسيط فلا حكم له في الوجود فإنه معقول غير موجود فأهل المظاهر هم أهل النعيم والعذاب وأهل أحدية الذات لا نعيم عندهم ولا عذاب قال أبو يزيد ضحكت زمانا وبكيت زمانا وأنا اليوم لا أضحك ولا أبكي وقيل له كيف أصبحت قال لا صباح لي ولا مساء إنما المساء والصباح لمن تقيد بالصفة ولا صفة لي (السؤال التاسع والأربعون والموفي خمسين) كم للرسل سوى محمد صلى الله عليه وسلم منها وكم لمحمد صلى الله عليه وسلم منها الجواب كلها إلا اثنين وهم فيها على قدر ما نزل في كتبهم وصحفهم إلا محمدا صلى الله عليه وسلم فإنه جمعها كلها بل جمعت له عناية أزلية قال تعالى تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض فيما لهم به من هذه الأخلاق فاعلم أن الله تعالى لما خلق الخلق خلقهم أصنافا وجعل في كل صنف خيارا واختار من الخيار خواص وهم المؤمنون واختار من المؤمنين
(٧٣)