صلى الله عليه وسلم كما صح عنه لما سئل عن رؤية ربه بعينه المقيدة ذات الطبقات فقيل له هل رأيت ربك أراد السائل رؤية البصر المقيدة بالجارحة فقال نوراني أراه أي نور هذا الإدراك يضعف عن ذلك النور الإلهي وإن كان للبصر المقيد إدراك في النور الإلهي على حد مخصوص فإن النور الإلهي كما قبل التشبيه بالمصباح الوارد في القرآن على الصفات المخصوصة المذكورة كذلك يقبل إدراك البصر إياه إذا حصل تلك الشرائط كلها فتدبرها في نفسك ويخرج قوله لا تدركه الأبصار على وجهين الوجه الواحد أنه نفى أن تدركه الأبصار على طريق التنبيه على الحقائق وإنما يدركه المبصرون بالأبصار لا الأبصار والوجه الثاني لا تدركه الأبصار المقيدة بالجارحة كما قررنا فإذا لم تتقيد أدركته وهو عين النور الذي وقع فيه التشبيه بالمصباح وهو النور الذي ليس كمثله شئ فلا يقبل التشبيه لأنه لا صفة له وكل من له صفة فإنه يقبل التشبيه لأن الصفات تتنوع في القابلين لها بحسب ما تعطيه حقيقة الموصوف كالعلم يتصف به الحق والسمع والبصر والقدرة والإرادة والقول وغير ذلك من الصفات ويتصف بها المخلوق ومعلوم أن نسبتها إلى المخلوق لا تكون على حد نسبتها إلى الخالق بل نسبتها إلى البشر تخالف نسبتها إلى الملك وكلاهما مخلوقان فاعلم ذلك فهذه اللوائح التي تلوح للبصر مشاهد ذاتية ثبوتية ما هي سلبية فإن الوصف السلبي ليس من إدراك البصر بل ذلك من إدراك العقول وما يدرك بالعقل لا يدخل في اللوائح وأما ما يلوح من أنوار الأسماء الإلهية عند مشاهدة آثارها فتعلم بأنوارها أي تظهرها أنوارها فالإسم الإلهي روح لأثره وأثره صورته والبصر لا يقع من الاسم إلا على أثره الذي هو صورته كما تقع على صورة زيد الجسمية ويصح أن يقال رأى زيدا من غير تأويل ويصدق مع كون زيد له روح مدبرة غيب فيه لها صورة وهي جسديتها فأثر الأسماء الإلهية صور الأسماء فمن شاهد الآثار فقد صدق في أنه شاهد الأسماء فلوائحها أن تجمع بين نسبة ذلك الأثر المشهود وبين الاسم الذي هو روح صورة ذلك الأثر كما ترى شخصا ولكن لا تعرف أنه زيد المطلوب عندك ويراه آخر ممن يعرفه فيعرف أنه رأى زيدا فهذا العارف هو صاحب اللوائح والآخر ليس هو من أصحاب اللوائح لأنه ما لاح له ارتباط الاسم بهذه الصورة والفرق بين الشخصين المدركين معلوم فما كل من رأى علم ما رأى فهذه اللوائح الحالية لمن أراد معرفتها على الاختصار والاقتصاد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني عشر ومائتان في التلوين) إن التلون من حال إلى حال * دليل صدق على العالي من الحالي ضد العاطل فمن تحقق بالأنفاس يعرفه * بالحال فيه كمثل الحال في الحال الوقت فالفعل ماض وآت ثم بينهما * فعل يسمى بفعل الآن والحال حال أهل النحو فالحال زائلة والحال دائمة * وهو الصحيح الذي قد قيل في الحال حال أهل النظر اعلم أن التلوين عند أكثر الجماعة مقام ناقص وهو تلون العبد في أحواله وأنشدوا في ذلك كل يوم تتلون * غير هذا بك أجمل إلى أن قال بعضهم علامة الحقيقة رفع التلوين بظهور الاستقامة فلو لم يزد بظهور الاستقامة لكان قد نبه على علم غامض محقق فلما زاد هذه اللفظة أفسد الأمر والتحق في حده بالقائلين بنقصه وقالت طائفة بل التلوين هو علامة على صاحبه بأنه متحقق محقق كامل إلهي وهو الذي أرتضيه وهو مذهبي وبه أقول وعلى قدر تمكنه في التلوين يكون كماله وبهذا نحد التمكين فنقول التمكين في التلوين هو التمكين فمن لم يتمكن لم يتلون الأمر عنده وآيته من كتاب الله كل يوم هو في شأن فنكر وقالت هذه الطائفة في التلوين بزيادة لو سكتت عنها لكان أولى إذ ليس للتقييد بها تلك الفائدة وهو قولها لأن في التلوين إظهار قدرة القادر فيكشف منه العبد الغيرية وهذه الزيادة إجمالية تدل على ما ذهبنا إليه والتلوين نعت إلهي وكل نعت إلهي كمال إذ لا يتصور في ذلك الجناب نقص أصلا بوجه ولا نسبة وما تكمل المقامات والأمر إلا أن تكون من النعوت الإلهية فإن الكمال لله على الإطلاق وهو قوله في استشهادنا يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن وليس التلوين غير هذا فيدخل في مذهبنا مذهب الجماعة
(٤٩٩)