يقع من الناس في غالب الأوقات وذلك أن الجاهل إذا جاء ليسأل العالم في أمر لا يعلمه من الوجه الذي يسأل عنه ويعلم منه قدر الوجه الذي دعاه إلى السؤال عنه كمن سمع حسا من خلف حجاب فيعلم قطعا إن خلف الحجاب أمرا لا يدري ما هو أو لا يدري محل ذلك الحس ولعله ليس خلف ذلك الستر فيسأل من يعلم محل ذلك الستر هل خلفه ما يمكن أن يحس أم لا وإذا كان فما هو فيتصور السؤال من السائل عما لا يعلم لوجه ما معلوم عنده يتضمن ما لا يعلم إلا بعد السؤال عنه وعلى هذا المقام أورد بعض النظار أشكالا وبهذا القدر ينفصل عن ذلك الإشكال وليس كتابنا مما قصد به النسب الفكرية النظرية وإنما هو موضوع للعلوم الوهبية الكشفية فجرت العادة عند العلماء القاصرين عما ذكرناه أن المتعلم السائل إذا جاء ليسأل العالم عن أمر لا يعلمه فإن كانت المسألة بالنظر إلى حالة السائل عظيمة قال له لا تسأل عما لا يعنيك وهذا ليس قدرك وتقصر عن فهم الجواب على هذا السؤال وليس الأمر كذلك عندنا ولا في نفس الأمر وإنما القصور في المسؤول حيث لم يعلم الوجه الذي تحتمله تلك المسألة بالنظر إلى هذا السائل فيعلمه به ليحصل له الفائدة فيما سأل عنه ويستر عنه الوجوه التي فيها مما لا يحتمله عقله ولا يبلغ إليه فهمه فيسر السائل بجواب العالم ويصير عالما بتلك المسألة من ذلك الوجه وهو وجه صحيح إن فات علمه للعالم الفهم الفطن فقد فاته من المسألة بقدر ذلك الوجه فاستوى الفهم الفطن مع القدم في عدم استيعاب وجوه تلك المسألة فما سأل سائل قط في مسألة ليس فيه أهلية لقبول جواب عنها ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الباب في تأديب الصحابة ما يتأدب به في ذلك وذلك أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين ظهراني أصحابه فقال يا رسول الله إني أسألك عن ثياب أهل الجنة أخلق تخلق أم نسيج تنسج فضحك الحاضرون من سؤاله فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أتضحكون أن جاهلا سأل عالما يا هذا الرجل إنها تشقق عنها ثمر الجنة فأجابه بما أرضاه وعلم أصحابه الأدب مع السائل فأزال خجله وانقلب عالما فرحا وقال الله تعالى وأما السائل فلا تنهر فعمم وإن كان المقصود في سبب نزولها السؤال في العلم لأنه تعليم لحال سابق كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله ووجدك ضالا فهدى أي حائرا فأبان لك عن الأمر فأما السائل إذا جاءك يسألك فإنما هو بمنزلتك حين كنت ضالا فلا تنهره كما لم أنهرك وبين له كما بينت لك كما قال له تعليما لحال سبق له في قوله ألم يجدك يتيما فآوى فلم يذلك ولا طردك بالقهر ليتمك وكسرك فأما اليتيم إذا وجدته فلا تقهره والطف به وآوه وأحسن إليه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله أدبني فحسن تأديبي فينبغي لنا أن نتبع الآداب الإلهية التي أدب الله سبحانه بها أنبياءه مثل هذا ومثل قوله لنوح إني أعظك أن تكون من الجاهلين فرفق به في قوله أعظك لشيخوخته وكبر سنه ومخاطبة الشيوخ لها حد ووصف معلوم ومخاطبات الشباب لها حد معلوم وقال في حق محمد رسوله صلى الله عليه وسلم فلا تكونن من الجاهلين فأين ذلك اللطف من هذا القهر فذلك لضعف الشيخوخة وذا القوة الشباب وأين مرتبة الخمسين سنة من رتبة خمسمائة وأزيد فوقع الخطاب على الحالات في أول الرسل وهو نوح وفي آخرهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم وعلى جميع الأنبياء ومن الآداب الإلهية كل ما ورد في القرآن من افعل كذا ولا تفعل كذا فانظره في القرآن تحط بالأدب الإلهي فاستعمله توفق إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والتسعون ومائتان في معرفة منزل اشتراك عالم الغيب وعالم الشهادة من الحضرة الموسوية) الليل يستر ما في الغيب من عجب * والشمس تظهر ما الأظلام يستره والشخص إن كان أنثى ليس يذكره * حتى إذا جاءت الأخرى تذكره والجود أصل وضد الجود ليس بذي * أصل ولكن عين الجود تظهره لا شئ يغنيك غير الله فارض به * ربا ولا تك ممن ظل يضمره وقم به علما في رأس رابية * وإن شهدت هلالا فهو يبدره وإن دعاك الهوى يوما لمنقصة * فإن داعيه عن ذاك يزجره عطاؤه منه أولى وآخرة * وليس عن عوض كذاك أذكره
(٦٥٥)