العين واحدة إذا حققتها * مضت المطامع فانتفى حكم الطمع ما تطلب الأعمال عين وجودها * إلا لضعف في البصائر أو صدع لما كانت الأمور كلها لها أربعة أحكام حكم ظاهر وحكم باطن وحكم حد وحكم مطلع وكان الورع يحكم على ظاهر صاحبه وباطنه بالحد فأبان له هذا العمل وجه الحق في كل شئ وهو المطلع فاطلع فما وقعت عينه على الأشياء وإنما وقعت عينه على وجه الحق فيها الذي ارتبطت في وجودها به والذي ظهرت عنه فاقتضى حاله ترك الورع لأنه لا ينبغي أن يجتنب رؤية وجه الحق في الأشياء وما هو من حكم ما لا ينبغي فإن العبد لا يقدر أن يدفع عن نفسه التجلي إذا كان حقيقة فهو محكوم عليه به ولست أعني بقولي ترك الورع إن صاحبه يتناول الحرام أو الشبهة بعد علمه بذينك هذا لا يقول به أحد وإنما صاحب هذا المقام يتناول الأشياء بحسب ما خاطبه به الشرع فلا يأكل إلا حلالا ولا يتصرف إلا حلالا فإن العلامة أزالها الحق عنه برؤية الوجه والورع بغير علامة سوء ظن بالناس وحاشى أهل الله ولا سيما أصحاب مشاهدة الوجه أن يسيئوا الظن بعباد الله أو يخطر شئ من قبائحهم ببال صاحب هذا الحال المتمكن في مقامه ولقد لقي بعض أصحابنا بعض الأبدال في سياحته فأخذ يذكر له ما هم الناس عليه من فساد الأحوال في الملوك والولاة والرعايا فغضب البدل وقال له ما لك وعباد الله لا تدخل بين السيد وعبده فإن الرحمة والمغفرة والإحسان لهؤلاء يطلبون أتريد أن تبقي الألوهية معطلة الحكم اشغل بنفسك وأعرض عن هذه الأشياء وليكن نظرك إليه تعالى وشغلك بالله ولقد اتفق لي في بدايتي وما ثم إلا بداية وأما النهاية فمقولة غير معقولة دخلت على شيخنا أبي العباس العريني وأنا في مثل هذه الحال وقد تكدر على وقتي لما أرى الناس فيه من مخالفة الحق فقال لي صاحبي عليك بالله فخرجت من عنده ودخلت على شيخنا أبي عمران الميرتلي وأنا على تلك الحالة فقال لي عليك بنفسك فقلت له يا سيدنا قد حرت بينكما هذا أبو العباس يقول عليك بالله وأنت تقول عليك بنفسك وأنتما إمامان دالان على الحق فبكى أبو عمران وقال لي يا حبيبي الذي دلك عليه أبو العباس هو الحق وإليه الرجوع وكل واحد منا دلك على ما يقتضيه حاله وأرجو إن شاء الله أن يلحقني بالمقام الذي أشار إليه أبو العباس فاسمع منه فإنه أولى بي وبك فما أحسن إنصاف القوم فرجعت إلى أبي العباس وذكرت له مقالة أبي عمران وقال لي أحسن في قوله هو دلك على الطريق وأنا دللتك على الرفيق فاعمل بما قال لك وبما قلته لك فتجمع بين الرفيق والطريق وكل من لا يصحب الحق في سفره فليس هو على بينة من سلامته فيه وكل من تورع بغير علامة له من الله في الأشياء وما ثم حكم معين في ذلك الأمر من رؤية معاملة خاصة مشاهدة في الوقت تقتضي الحرام أو الشبهة فصاحب هذا الورع مخدوع مقطوع به عن الله فإن حاله سوء الظن بعباد الله فباطنه مظلم وخلقه سيئ فهو ولا شئ في حكم واحد بل لا شئ أحسن منه فينبغي للإنسان أن يتحفظ إذا أراد أن يكون ورعا كما أوجب الله عليه بأن يتحقق ويكون على بصيرة فيما يتورع وهذا قليل العلم به لمن لا علامة له لأن الإنسان لو رأى إنسانا على مخالفة حق مشروع وفارقه لحظة ثم رآه في في اللحظة الأخرى وحكم عليه بالحالة الأولى فما وفي الألوهية حقها ولا الأدب مع الله حقه وكان قرين إبليس حليف الخسران سيئ الظن بالله وبعباده وكان ورعه مقتا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والتسعون في الزهد) الزهد ترك محلل ومحلل * ومحلل فازهد فزهدك أزهد والترك شئ لا وجود لعينه * وله لسان في الشريعة يحمد في الزهد تعظيم الأمور وما له * عند المحقق قيمة لا تجحد الزهد لا يكون إلا في الحاصل في الملك والطلب حاصل في الملك فالزهد في الطلب زهد لأن أصحابنا اختلفوا في الفقير الذي لا ملك له هل يصح له اسم الزاهد أو لا قدم له في هذا المقام فمذهبنا أن الفقير متمكن من الرغبة في الدنيا والتعمل في تحصيلها ولو لم يحصل فتركه لذلك التعمل والطلب والرغبة عنه يسمى زهدا بلا شك وذلك الطلب في ملكه حاصل فلهذا حددناه بما ذكرنا ولقد فاوضت في هذه المسألة جماعة من أهل الله فأكثرهم قال بقولنا وسبب ذلك أن
(١٧٧)