فكلم الله الأعرابي بلسان رسوله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي تلا عليه القرآن والقرآن كلام الله قال تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث لأنه حدث عندهم وإن كان قديما في نفس الأمر من حيث إنه كلام الله وقال صلى الله عليه وسلم في عمر إنه من المحدثين إن يكن في هذه الأمة منهم أحد وأريد حديثه تعالى مع أوليائه لا مع الأنبياء والرسل فإن الأذواق تختلف باختلاف المراتب فنحن لا نتكلم إلا فيما لو ادعيناه لم ينكر علينا لأن باب الولاية مفتوح ولهذا سأل عن خزائن المحدثين من الأولياء فأكمل المحدثين من فهم عن الله ما حدثه به في كل شئ وهم أهل السماع المطلق من الحق فإن أجابوه به فهو حديث وإن أجابوه بهم فهي محادثة وإن سمعوا حديثه به فليس بحديث في حقهم وإنما هو خطاب أو كلام وأهل الحقائق يمنعون المحادثة ولا يمنعون المناجاة فإن الحق لا يحدث عنده شئ فهو سبحانه يحدث من شاء من عباده ولا يحدثه منهم أحد لكن يناجونه ويسامرونه كالمتهجدين هم أهل المسامرة فالعالم خزائن المحدثين من الأولياء إذا سمعوا بهم فالمحدثون أنزل الدرجات في مقامات الأولياء وهم عند العامة في الرتبة العلياء لأن علومهم ليست عن ذوق وإنما هي علوم نقل أو علوم فكر لا غير فأما حديث الله في الصوامت فهو عند العامة من علماء الرسوم حديث حال أي يفهم من حاله كذا وكذا حتى أنه لو نطق لنطق بما فهمه هذا الفاهم منه قال القوم في مثل هذا قالت الأرض للوتد لم تشقني قال الوتد لها سلي من يدقني فهذا عندهم حديث حال وعليه خرجوا قوله تعالى وإن من شئ إلا يسبح بحمده وقوله إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها إباية حال وأما عند أهل الكشف فيسمعون نطق كل شئ من جماد ونبات وحيوان يسمعه المقيد بإذنه في عالم الحس لا في الخيال كما يسمع نطق المتكلم من الناس والصوت من أصحاب الأصوات فما عندنا في الوجود صامت أصلا بل الكل ناطق بالثناء على الله كما أنه ليس عندنا في الوجود ناطق أصلا من حيث عينه بل كل عين سوى الله صامتة لا نطق لها إلا أنها لما كانت مظاهر كان النطق للظاهر قالت الجلود أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ فالكلام في المظاهر هو الأصل والصمت فيها عرض يعرض في حق المحجوب والصمت في الأعيان هو الأصل والكلام المسموع منها عرض يعرض في حق المحجوب فلأصحاب الحرف والصوت عذر عند هؤلاء ولمنكر الصوت والحرف عذر أيضا عندهم انتهى الجزء الرابع والثمانون (بسم الله الرحمن الرحيم) (السؤال الخامس والخمسون) ما الحديث الجواب ما يتلقاه السامع إذا سمعه به لا بربه فذلك هو الحديث لا غير فإن سمعه بربه فليس ذلك بحديث ومعنى قوله سمعه بربه قول الله تعالى كنت سمعه الذي يسمع به فاعلم أن وصفه بأنه سميع هو عينه لا أمر زائد واعلم أن تحقيق هذا أنه لكل اسم إلهي نسبة كلام والإنسان محل لاختلاف الأحوال عليه عقلا وحسا وذلك أن الألوهية تعطي ذلك لذاتها فإنها بالنسبة إلى العالم بهذه الصفة قال تعالى يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن فكل حال في الكون فهو عين شأن إلهي وقد تقرر في العلم الإلهي أنه تعالى لا يتجلى في صورة واحدة لشخصين ولا في صورة واحدة لشخص مرتين وكل تحل له كلام فذلك الكلام لهذا الحال من هذا التجلي هو المعبر عنه بالحديث فالحديث لا يزال أبدا غير أنه من الناس من يفهم أنه حديث ومن الناس من لا يعرف ذلك بل يقول ظهر لي كذا وكذا ولا يعرف أن ذلك من حديث الحق معه في نفسه لأنه حرم عين الفهم عن الله فيما يحسب أنه خاطر والذين قسموا الخواطر إلى أربعة فذلك التقسيم لا يقع في الحديث فإن الحديث حديث في كل قسم وإنما الأقسام وقعت في الذوات التي فهم منها ما أريد بالحديث فيقال خاطر شيطاني وهو حديث رباني وقول إلهي لما أراده الحق قال له كن فكان فناجاه الاسم البعيد كما يتلقاه من الحديث الإلهي في الخاطر الملكي الاسم القريب كما يتلقاه من الحديث الإلهي في الخاطر النفسي الاسم المريد كما يتلقاه من الحديث الإلهي في الخاطر الرباني الاسم الحفيظ فهذه الخواطر كلها من الحديث الإلهي الذي لا يشعر به إلا رجال الله فالعالم كله على طبقاته لا يزالون في الحديث فمن
(٧٧)