(الفصل الثالث والثلاثون) في الاسم الإلهي الرزاق وتوجهه على إيجاد النبات من المولدات وله من الحروف الثاء المعجمة بالثلاث وله من المنازل سعد بلع قال تعالى إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين وقال أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فجعلها للعلماء تذكرة فجاء بالاسم الرزاق بهذه البنية للمبالغة لاختلاف الأرزاق وهي مع كثرتها واختلافها منه لا من غيره وإن المرزوقين مختلف قبولهم للأرزاق فما يتغذى به حيوان ما قد لا يصلح أن يكون لحيوان آخر لأن المراد بتناول الرزق بقاء المرزوق فإذا أكل ما فيه حتفه فما تغذى به وما هو رزق له وإن كان به قوام غيره فلذلك تسمى ببنية المبالغة في ذلك ونعت هذا الرزاق بذي القوة المتين ولو نعت به الله لقال ذا القوة المتين فنصب ولا يتمكن نعت الاسم الله من حيث دلالته فإنه جامع للنقيضين فهو وإن ظهر في اللفظ فليس المقصود إلا اسما خاصا منه تطلبه قرينة الحال بحسب حقيقة المذكور بعده الذي لأجله جاء الاسم الإلهي فإذا قال طالب الرزق المحتاج إليه يا الله ارزقني والله هو المانع أيضا فما يطلب بحاله إلا الاسم الرزاق فما قال بالمعنى إلا يا رزاق ارزقني ومن أراد الإجابة في الأمور من الله فلا يسأله إلا بالاسم الخاص بذلك الأمر ولا يسأل باسم يتضمن ما يريده وغيره ولا يسأل بالاسم من حيث دلالته على ذات المسمى ولكن يسأل من حيث المعنى الذي هو عليه الذي لأجله جاء وتميز به عن غيره من الأسماء تميز معنى لا تميز لفظ واعلم أن الأرزاق منها معنوي ومنها حسي والمرزوقين منهم معقول ومنهم محسوس ورزق كل مرزوق ما كان به بقاؤه ونعيمه إن كان ممن يتنعم وحياته إن كان ممن يوصف بأنه حي وليست الأرزاق لمن جمعها وإنما الأرزاق لمن تغذى بها يحكي أنه اجتمع متحرك وساكن فقال المتحرك الرزق لا يحصل إلا بالحركة وقال الساكن الرزق يحصل بالحركة والسكون وبما شاء الله وقد فرع الله منه فقال المتحرك فإنا أتحرك وأنت أسكن حتى أرى من يرزق فتحرك المتحرك فعند ما فتح للباب وجد حبة عنب فقال الحمد لله غلبت صاحبي فدخل عليه وهو مسرور فقال له يا ساكن تحركت فرزقت ورمى بحبة العنب إلى الساكن فأخذها الساكن فأكلها وحمد الله وقال يا متحرك سكنت فأكلت والرزق لمن تغذى به لا لمن جاء به فتعجب المتحرك من ذلك ورجع إلى قول الساكن والمقصود من هذه الحكاية أن الرزق لمن تغذى به فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم وكان فيه بقاؤها ونعيمها وفرحها وسرورها وأول مرزوق في الوجود الأسماء فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها وهذا معنى قولهم إن للربوبية سر الظهور لبطلت الربوبية فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين وبقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة فالإضافة رزق المتضايفين وبه غذاؤهما وبقاؤهما متضايفين فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبه الاسم الرزاق وهو من جملة المرزوقين فهو أول من تغذى بما رزق فأول ما رزق نفسه ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها وهو أثره في العالم المعقول والمحسوس ثم نزل في النفس الإلهي بعد الأسماء فوجد الأرواح الملكية فرزقها التسبيح ثم نزل إلى العقل الأول فغذاه بالعلم الإلهي والعلم المتعلق بالعالم الذي دونه وهكذا لم يزل ينزل من عين ما يطلب ما به بقاؤه وحياته إلى عين حتى عم العالم كله بالرزق فكان رزاقا فلما وصل إلى النبات ورأى ما يحتاج إليه من الرزق المعين فأعطاه ما به غذاؤه فرأى جل غذائه في الماء فأعطاه الماء له ولكل حي في العالم وجعله رزقا له ثم جعله رزقا لغيره من الحيوان فهو والحيوان رزق ومرزوق فيرزق فيكون مرزوقا ويرزق به فيكون رزقا وهكذا جميع الحيوان يتغذى ويتغذى به فالكل رزق ومرزوق وإنما أعطى الماء رزقا لكل حي لأنه بارد رطب والعالم في عينه غلبت عليه الحرارة واليبوسة وسبب ذلك أن العالم مقبوض عليه قبضا لا يتمكن له الانفكاك عنه لأنه قبض إلهي واجب على كل ممكن فلا يكون إلا هكذا والانقباض في المقبوض يبس بلا شك فغلب عليه اليبس فهو يطلب بذاته لغلبة اليبس ما يلين به ويرطب فتراه محتاجا من حيث يبسه إلى الرطوبة وأما احتياجه إلى البرودة فإن العالم مخلوق على الصورة ورأى أن من خلق على صورته مطلق الوجود يفعل ما يريد فأراد أن يكون بهذه المثابة ويخرج عن القبض عليه فيكون مسرح العين غير مقبوض عليه في الكون والإمكان يأبى ذلك والصورة تعطيه القوة لهذا الطلب ولا ينال مطلوبه فيدركه الغبن فيحمى فتغلب الحرارة عليه فيتأذى فيخاف الانعدام
(٤٦٢)