فما رأيت فيما رأيت أحسن سمتا منهم ولا أكثر شغلا منهم بالله ما رأيت مثلهم إلا سقيط الرفرف ابن ساقط العرش بقونية وكان فارسيا (وصل) واعلم أن الفرق الذي بين مزاج العنصر الواحد وامتزاجه بعضه ببعضه أو امتزاجه بعنصر آخر كامتزاج الماء بالتراب فيحدث اسم الطين فما هو تراب وما هو ماء والامتزاج في العنصر الواحد كالنيل والأسفيداج إذا مزجا بالسحق واختلطت أجزاؤهما وامتزجت امتزاجا لا يمكن الفصل بينهما يحدث بينهما لون آخر ما هو لواحد منهما ويحدث لهذا الامتزاج حكم في آخر الأفعال الطبيعية وكالماء العذب والماء الملح إذا امتزجا حدث بينهما طعم آخر ما هو ملح ولا عذب فهذا ما أعطاه الامتزاج في العنصر الواحد وكذلك الماء بما هو بارد إذا أعطت النار فيه التسخين بحيث أن لا تبقيه باردا ولا تبلغ به درجتها في السخانة فيكون فاترا حارا ولا باردا فهذا امتزاج لا يشبه امتزاج العنصر بعضه في بعضه ولا امتزاج العنصرين وأما المزاج فهو ما كان به وجود عين العنصر وهو المسمى بالطبع فيقال طبع الماء أو مزاج الماء أن يكون باردا رطبا والنار حارة يابسة والهواء حارا رطبا والتراب باردا يابسا فما ظهرت أعيان هذه الأركان إلا بهذا المزاج الطبيعي فكل مزاج طبيعي وليس الامتزاج كذلك فبالامتزاج الذي ذكرناه في عنصر الماء نعلم قطعا إن أجزاء الماء الملح مجاورة أجزاء الماء العذب وأجزاء النيل مجاورة أجزاء الاسفيداج مجاورة بالعقل لا يدركها الحس ولا يفصلها ولكن في الامتزاج يحدث للطبيعة حكم في هذه الصور الظاهرة من الامتزاج كتركيب الأدوية فكل عقار فيه له نفع على حدة ثم إذا مزج الكل كان بهذه المثابة وكان للطبيعة في المجموع حكم ولا بد فإذا جعل الكل في إناء واحد وصب على الجميع ماء واحد أعطى كل عقار في كل جوهر من ذلك الماء قوة فيكون في الجوهر الواحد من الماء قوة كل واحد من العقاقير ما لم تتضاد القوي فهذا وإن كان امتزاجا فما هو مثل ذلك الامتزاج ولا بلغ حكمه حكم المزاج فهذه حالة معقولة بين المزاج وبين الامتزاج لا يقال فيه مزاج ولا امتزاج وكذلك الأرض وإن كانت سبعة طباق فقد يعسر في الحس الفصل بينهن مع علمنا بأن كل واحدة منهن لا تكون بحيث الأخرى كما لا يكون الجوهر بحيث جوهر آخر وعرضه يكون بحيث موضوعة وحامله فهكذا يكون كون الأشياء وفسادها وما يلحقها من التغيير انتهى الجزء الثالث والعشرون ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (وصل) وأما ما يلحق الأجسام العنصرية من لواحق الطبيعة في الأجسام فكثير فمن ذلك حركة العنصر وسكونه هل هو مخالف لحركة الفلك وسكونه لو فرض سكونه أو هل سكونه كسكون السماء الذي لا يقول به إلا أهل هذا الشأن منا فأما حركة الفلك وهو من الأجسام الطبيعية فإنه يتحرك بمحرك ليس هو وهكذا كل متحرك في العالم وساكن ما هو متحرك لذاته ولا ساكن لذاته بل بمحرك ومسكن وذلك المحرك له لا بد أن يكون محركا له بذاته أو محركا له بما هو يريد تحريكه فأما من يرى أن محركه يحركه لذاته فهو القائل بخلق الحركة في الجسم والحركة تعطي لذاتها فيمن قامت به التحرك فهي محركة المتحرك لذاتها والسكون مثل ذلك وإن كان المحرك بما هو يريد تحريكه فقد يحركه بواسطة وبغير واسطة أي بواسطة لا تتصف بأنها مريدة لتحريكه ولو كانت ذا إرادة كالمجبور فيمن كان ذا إرادة أو تحريك الغصن بتحريك الريح التي تحدثه حركة المروحة من حركة يد الذي يروحه بها وبغير واسطة كإنسان هز عصا في يده فاضطربت أو يكون المتحرك هو المتحرك بالإرادة في ذاته كتحرك الإنسان في الجهات التحرك الإرادي فالفلك عندنا متحرك تحرك الإنسان في الجهات لأنه يعقل ويكلف ويؤمر كما قال عليه السلام في ناقته إنها مأمورة وقال عليه السلام في الشمس إنها تستأذن في الطلوع وحينئذ تطلع فيؤذن لها فإذا جاء وقت طلوعها من مغربها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتصبح طالعة من مغربها فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها فالفلك متحرك بالإرادة ليعطي ما في سمائه من الأمر الإلهي الذي يحدث أشياء في الأركان والمولدات وبتلك الحركات الفلكية يظهر الزمان فالزمان لا يحكم
(٤٥٦)