وما ذهب لها عين وما ظهر لها عين فهي ترى ولا ترى لأنها خلف حجاب النور الأعظم الذي له الحكم في ظاهر الأمر ولأنوار الكواكب حكم في باطن الأمر مندرج في النور الأعظم يعلم ذلك أرباب علم التعاليم فهم أسعد الناس بهذا المقام وهو مقام جليل نبوي وما حجره الحق على المؤمنين إلا رحمة بهم لأن الغالب في العالم الجهل بحقائق الأمور والعلماء أفراد فرحمهم الله بما حجر عليهم من ذلك وأما العلماء بالله فلا حرج عليهم فيه فإنهم عالمون كيف ينسبون وكيف لا يعلمون والله يقول وأوحى في كل سماء أمرها وهو ما يعطيه من الآثار في العالم كما تعطي كل آلة للصانع بها ما عملت له والصنعة مضافة للصانع لا للآلة فاعلم ذلك وكن بحسب ما تعطيه قوتك والسلام واختلف أصحابنا في صاحب هذا المقام هل يأمن من المكر الإلهي أم لا أما مع البشرى فيأمن ولا بد وأعني إذا جاءت البشرى بالأمن من مكر الله ولا أقدر أبسط في هذا المقام شيئا أكثر مما ذكرناه في هذا الوقت لأسباب ولا أصرح بمذهبنا فيه إلا بقدر ما ذكرنا منه في البشرى فإنه أمر محقق تدل عليه العقول والشرع وذلك أن صاحب هذا المقام إن كانت عجلت له الجنة بوجه لا يمكن استبداله فالأمن حاصل ويصح له هذا المقام وإن لم تكن له هذه الحالة فالله أعلم (الباب الثاني ومائة في مقام الرجاء) إن الرجاء كمثل الخوف في الحكم * فاعزم عليه وكن منه على علم إن الرجاء مقام ليس يعلمه * إلا أولوا العلم بالرحمن والفهم يلتذ صاحبه في وقته فإذا * يفوته كان مثل الخوف في الحكم وإن ما أنت راجيه لفي عدم * ولست من فقده المعلوم في عم الرجاء متعلقة ما ليس عنده وهو مقام مخوف يحتاج صاحبه إلى أدب حاضر حاصل ومعرفة ثابتة لا يدخلها شبهة فإنه مقام عن جانب الطريق ما هو في نفس الطريق تحته مهواة بأدنى زلة يسقط صاحبه من الطريق وهو على طريق الحياة الدائمة التي بها بقاء العالم في النعيم والحال التي ينبغي أن يظهر سلطانه فيها عند الاحتضار وأما قبل ذلك فيساوي بين حكمه وبين حكم الخوف إن كان مؤمنا حقيقة قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وكذلك ينبغي أن يظن بنفسه شرا لا بربه إلا عند الموت فإنه يشتغل بربه في تلك الحال ويظن به خيرا ويعرض عن ظنه بنفسه جملة واحدة بخلاف حاله في دنياه والرجاء المطلوب من أهل الله هو ما يطلبه وقته لأن المرجو معدوم في تلك الحال فيخاف على الراجي أن يفوته حكم الوقت فإذا كان متعلق رجائه ما يطلب الوقت فهو صاحب وقت ولا بد وما يرسم في ديوان من لم يتأدب مع وقته ثم إن وقته لا يخلو من أحد ثلاثة أمور إما أن يكون صاحب وقت مرضي فمتعلق رجائه ما يطلبه الوقت المرضى وإن كان غير مرضي أو لا مرضي ولا غير مرضي كالمباح فمتعلق رجائه إزالته عنه بما هو مرضي في النفس الثاني والزمان الذي يليه فمتى خرج عن هذا التعلق الخاص فليس هو الرجاء الذي هو مقام في الطريق وهو من المقامات المستصحبة في الدنيا والآخرة لا ينقطع لأن الإنسان حيث كان لا يزال صاحب قوت لأن الأمر لا يتناهى وكلامنا في الفائت المستأنف وأما الفائت الماضي فإنه لا يعود إذ لو عاد لتكرر أمر ما في الوجود ولا تكرار للتوسع الإلهي غير أنه إن كان الفائت الماضي مرضيا وهو لا يعود فحكم ذلك الفعل الفائت الماضي فهو إنما يجنيه في الآخرة ولو اتصف به في الدنيا فقد يتعلق الرجاء بتحصيل ما لو كان الفائت الماضي لم يفت حصل له فيحصل له مثل ذلك برجائه إن كان قد كان له وجود وانقضى أو عين ذلك المرجو إن كان لم يكن برجائه فإنه فائت مستأنف كان مهيا للفائت الماضي هذا غاية قوة الرجاء وقد قال ص في الذي يفوته خير الدنيا ويرى من له شئ من ذلك الخير يعمل به في طاعة الله لو كان لي مثل هذا العامل من الخير لفعلت مثل ما فعل فهما في الأجر سواء فهذا قد فاته العمل وجنى ثمرته بالتمني وساوى من لم يفته العمل وربما أربى عليه لا بل أربى عليه فإن العامل مسؤول ليسأل الصادقين عن صدقهم وهذا غير مسؤول لأنه ليس بعامل ولا يكون هذا إلا لمن لم يعطه الله أمنيته من الخير الذي تمنى العمل به فإن أعطاه ما تمناه من الخير فليس له هذا المقام ولا هذا الأجر وينتقل حكمه إلى ما يعمله فيما أعطاه الله من الخير ولا يبقى للتمني في الآخرة أثر فإن عمل به برا كان له وإن عمل غير ذلك
(١٨٥)