العلم يشهده والعين تنكره * لأنه عدم والنقص معروف لو لم يكن لم تكن عين ولا صفة * ولا وجود ولا حكم وتصريف ألا ترى التستري الحبر أثبته * وهو الصواب الذي ما فيه تحريف أراد بقول سهل أن لكذا سرا لو ظهر بطل كذا اعلم أن الكمال الذي لا يقبل الزيادة لا يكون إلا لله من كونه غنيا عن العالمين وأما الكمال الذي يقبل الزيادة فمثل قوله ولنبلونكم حتى نعلم كما أمر نبيه أن يقول رب زدني علما فالكمال هو وقوف الإنسان على الصورة الرحمانية بطريق الإحاطة لذلك عند مقابلة النسخة حرفا حرفا فيؤثر ولا يتأثر ولا يميل ولا يؤثر عدل في فضل ولا فضل في عدل بل يرتفع الفضل والعدل ويبقى الوجود والشهود وقبول القوابل بحسب استعدادها روحا وجسما فلا ينسب إليه من حيث هو حكم أصلا وجميع النسب تتصف به القوابل وهو على الوجه الواحد الذي يليق به لا يقبل التغير ولا التأثر كما لا يقبل النور من حيث ذاته وعينه ألوان الزجاج مع أنك تنظر إلى النور أحمر وأصفر وأخضر متنوعا بتنوع ألوان الزجاج فالنور ما انصبغ بالألوان ولكن هكذا تشهده العين والعلم يقضي بأنه على صورته التي كان عليها ما تأثر في عينه بشئ من ذلك إلا تنظر إليه في المساحة الهوائية التي بين موضع الزجاج وموضع النور المنعكس المتلون هل ترى في النور في هذه المساحة لونا من تلك الألوان مع كونه قد انبسط على الزجاج وحينئذ عمر المساحة الهوائية التي بين ما يظهر من الألوان وبين الزجاج وكقوس قزح فالكامل من لا يقبل الزائد ونحن في مزيد علم دنيا وآخرة فالنقص بنا منوط فكمالنا بوجود النقص فيه فلنا كمال واحد وللحق كمالان كمال مطلق وكمال يقول به حتى نعلم فنسختنا من كمال حتى نعلم لا من الكمال المطلق فافهم فإنه سر عجيب في العلم الإلهي فنشهده تعالى من كونه إلها لا من كونه ذاتا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والأربعون ومائتان في الغيبة) أغيب عنه ولي عين تشاهده * في حضرة الغيب والغياب ما حضروا ما في الوجود سواه في شهادته * وغيبه فانظروا في الغيب وافتكروا فتلك غيبة من هاتيك حالته * فغيبة القلب حال ليس تعتبر عمن تغيب وما في الكون من أحد * سوى الوجود فلا عين ولا أثر اعلم أن الغيبة عند القوم غيبة القلب عن علم ما يجري من أحوال الخلق لشغل القلب بما يرد عليه وإذا كان هذا فلا تكون الغيبة إلا عن تجل إلهي ولا يصح أن تكون الغيبة على ما حدوه عن ورود مخلوق فإنه مشغول غائب عن أحوال الخلق وبهذا تميزت الطائفة عن غيرها فإن الغيبة موجودة الحكم في جميع الطوائف فغيبة هذه الطائفة تكون بحق عن خلق حتى تنسب إليه على جهة الشرف والمدح وأهل الله في الغيبة على طبقات وإن كانت كلها بحق فغيبة العارفين غيبة بحق عن حق وغيبة من دونهم من أهل الله غيبة بحق عن خلق وغيبة الأكابر من العلماء بالله غيبة بخلق عن خلق فإنهم قد علموا أن الوجود ليس إلا الله بصور أحكام الأعيان الثابتة الممكنات ولا يغيبه إلا صورة حكم عين في وجود حق فيغيب عن حكم صورة عين أخرى تعطي في وجود الحق ما لا تعطي هذه والأعيان وأحكامها خلق فما غاب إلا بخلق عن خلق في وجود حق فالعامة مصيبة لبعض هذه المسألة فإنها ينقصها منها في وجود حق وغيبتها إنما هي بخلق عن خلق مثل الكمل من رجال الله وما في الأعيان عين يكون حكمها مشاهدة للكل فلا تتصف بالغيبة ولما لم تكن ثم عين لها وصف الإحاطة بالحضور مع الكل وإن ذلك من خصائص الإله فلا بد من الغيبة في العالم والحضور وقد أومأنا إلى ما فيه كفاية في هذا الباب والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والأربعون ومائتان في الحضور) وهو الحضور مع الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه مع الغيبة هكذا هو عند القوم حضوري مع الحق في غيبتي * حضوري به فهو الحاضر
(٥٤٣)