من النار وأشجار الجنة مغروسة في تلك التربة المسكية كما يقتضي حال نبات هذه الدار الدنيا الزبل لما فيه من الحرارة الطبيعية لأنه معفن والحرارة تعطي التعفين في الأجسام القابلة للتعفين وهذا القدر كاف في تقوى النار أعاذنا الله منها في الدارين (الباب الثامن والثمانون في معرفة أسرار أصول أحكام الشرع) الشرع ما شرع الإله تخلقا * فهو العليم بحقهم وبحقه فإذا أتى عبد يشرع شرعة * قام الإله بحقها في حقه والشرعتان هما من أصل واحد * ما لم يقل قال الإله لخلقه فإذا يقول فإنها أحبولة * نجم القرين بنجمها من أفقه ليصدقوا ما قلدوا أفكارهم * فهو الكذوب وإن أتاك بصدقه فلتعتبر أحكام أصل كتابها * فلربما غص اللعين بريقه اعلم أن أصول أحكام الشرع المتفق عليها ثلاث الكتاب والسنة المتواترة والإجماع واختلف العلماء في القياس فمن قائل بأنه دليل وأنه من أصول الأحكام ومن قائل بمنعه وبه أقول قال الله تعالى واتقوا الله ويعلمكم الله وقال إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا وقال اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم مثل قوله في عبده خضر أتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما فجعل إعطاءه العلم عبده من رحمته والتقوى عمل مشروع لنا فلا بد أن تكون التقوى نسبة حكمه إلى دليل من هذه الأدلة أو إلى كلها في أي مسألة يلزمنا فيها تقوى الله قال الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وهما الأصلان الفاعلان والإجماع والقياس إنما يثبتان وتصح دلالتهما بالكتاب والسنة فهما أصلان في الحكم منفعلان فظهرت عن هذه الأربع الحقائق نشأة الأحكام المشروعة التي بالعمل بها تكون السعادة فإن الموجودات ظهرت عن أربع حقائق إلهية وهي الحياة والعلم والإرادة والقدرة والأجسام ظهرت عن أربع حقائق عن حرارة وبرودة ويبوسة ورطوبة والمولدات ظهرت عن أربعة أركان نار وهواء وماء وتراب وجسم الإنسان والحيوان ظهر عن أربعة أخلاط صفرا وسودا ودم وبلغم فالحرارة والبرودة فاعلان والرطوبة واليبوسة منفعلتان فاعلم ولما كان من لا يؤمن بالشرائع المنزلة يشاركنا بالرياضة والمجاهدة وتخليص النفس من حكم الطبيعة يظهر عليه الاتصال بالأرواح الطاهرة الزكية ويظهر حكم ذلك الاتصال عليه مثل ما يظهر من المؤمنين العاملين منا بالشرائع المنزلة بما وقع من التشبيه والاشتراك فيما ذكرناه عند عامة الناس ونطقنا بالعلوم التي يعطيها كشف الرياضة وإمداد الأرواح العلوية وانتقش في هذه النفوس الفاضلة جميع ما في العالم فنطقوا بالغيوب قال الجنيد علمنا هذا وإن وقع فيه الاشتراك بيننا وبين العقلاء فأصل رياضتنا ومجاهدتنا وأعمالنا التي أعطتنا هذه العلوم والآثار الظاهرة علينا إنما كان من عملنا على الكتاب والسنة فهذا معنى قوله علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وتتميز يوم القيامة عن أولئك بهذا القدر فإنهم ليس لهم في الإلهيات ذوق فإن فيضهم روحاني وفيضنا روحاني وإلهي لكوننا سلكنا على طريقة إلهية تسمى شريعة فأوصلتنا إلى المشرع وهو الله تعالى لأنه جعلها طريقا إليه فاعلم ذلك ولما كان شرع الله وحكمه في حركات الإنسان المكلف لا يؤخذ إلا من القرآن كذلك لم توجد إلا بالمتكلم به وهو الله تعالى فقال للشئ كن فكان فالقرآن أقوى دليل يستند إليه أو ما صح عن رسول الله ص الذي قام الدليل على صدقه أنه مخبر عن الله جميع ما شرعه في عبيد الله وقد يكون ذلك الخبر إما بإجماع من الصحابة وهو الإجماع أو من بعضهم بنقل العدل عن العدل وهو خبر الواحد وبأي طريق وصل إلينا فنحن متعبدون بالعمل به بلا خلاف بين علماء الإسلام ولهذا يقول أهل الأصول في الإجماع إنه لا بد أن يستند إلى نص وإن لم ينطق به وأما القياس فمختلف في اتخاذه دليلا وأصلا فإن له وجها في المعقول ففي مواضع تظهر قوة الأخذ به على تركه وفي مواضع لا يظهر ذلك ومع هذا فما هو دليل مقطوع به فأشبه خبر الآحاد فإن الاتفاق على الأخذ به مع كونه لا يفيد العلم وهو أصل من أصول إثبات الأحكام فليكن
(١٦٢)