لا يتمكن للعارف فكيف للمحب أن يمر عليه نفس ولا حال لا يكون المحبوب فيه مشهودا له بعين قلبه ووجوده وما بقي حجاب إلا في الحس بإدراكه المحسوسات حيث يراها ليست عين محبوبه فيحجبه فيطلب اللقاء لأجل هذا الحجاب فإذا ذهب المحسوس عن حسه في ظاهر الصورة كما يذهب في حق النائم انصرف الحس إلى الخيال فرأى مثال محبوبه في خياله وقرب من قلبه فرآه من غير مثال لأن الخيال ما بينه وبين المعنى واسطة ولا درجة كما أنه ليس بينه وبين المحسوس واسطة ولا درجة فهو واسطة العقد إليه ينزل المعنى وإليه يرتفع المحسوس فهو يلقي الطرفين بذاته فإذا انتقل العارف أو المحب من المحسوس إلى الخيال قرب من معنى المحبوب فشاهده في الخيال ممثلا ذا صورة وشاهده وهو في الخيال لما عدل بنظره إلى حضرة المعاني المجاورة لحضرة الخيال عاين المعنى مجردا عن المثال والصورة ثم نظر إلى المثال وإلى المحسوس فعلم أنه لو تصور هذا المعنى في المحسوس لكان جميع صور المحسوسات صورته فغاب هذا المشاهد عن شهود كل محسوس إنه غير صورة محبوبه بل كل محسوس صورة محبوبه ولا بد فذهب عنه صورة المحسوس إنها غير صورة محبوبه فصار يشاهده في كل شئ فهذا هو الذهاب ومنه المذهب الذي هو الطريق سمي مذهبا للذهاب فيه فهذا المحب ذاهب في صور المحسوسات كلها إنها صورة عين محبوبه فلا يزال في اتصال دائم في عالم الحس وفي حضرة الخيال وفي حضرة المعاني فله الذهاب في هذه الحضرات كلها وصارت مذهبا له حتى نفسه في جملة الصور ولهذا يقول أنا من أهوى * ومن أهوى أنا ومثل هذا قلنا في قصيدة أنا محبي أنا حبيبي * أنا فتاي أنا فتاتي وقد قلنا في هذا الباب أيضا من قصيدة فإنني ما عشقت غيري * فعين فصلى هو اتصالي (الباب الثامن والتسعون ومائة في معرفة النفس بفتح الفاء) نفس الأكوان من نفسه * وهو وحي الحق في جرسه وكلام الحق شاهده * أثر في الكون من نفسه إن موسى قبل أبصره * في اشتعال النار في قبسه معدن الراحات فيه فمن * ناظر فيه وفي حرسه كان رسول الله ص قبل أن يعرف بعصمته من الناس وهو قوله والله يعصمك من الناس إذا نزل منزلا يقول من يحرسنا الليلة مع كونه يعلم أن الله على كل شئ حفيظ وقال ع لما اشتد عليه كرب ما يلاقي من الأضداد إن نفس الرحمن يأتيني من قبل اليمن فكانت الأنصار اعلم أن الموجودات هي كلمات الله التي لا تنفد قال تعالى في وجود عيسى ع إنه كلمته ألقاها إلى مريم وهو عيسى ع فلهذا قلنا إن الموجودات كلمات الله من حيث الدلالة السمعية إذ كان لا يصدقنا كل أحد فيما ندعي فيه الكشف أو التعريف الإلهي والكلمات المعلومة في العرف إنما تتشكل عن نظم الحروف من النفس الخارج من المتنفس المتقطع في المخارج فيظهر في ذلك التقاطع أعيان الحروف على نسب مخصوصة فتكون الكلمات وبعد أن نبهتك على هذا التجعل بالك لما نورده في هذا الباب فاعلم أن الله سبحانه ما استواء على عرشه إلا بالاسم الرحمن أعلاما بذلك أنه ما أراد بالإيجاد إلا رحمة بالموجودين ولم يذكر غيره من الأسماء وذكر الاستواء على أعظم المخلوقات إحاطة من عالم الأجسام فإن الآلام ليس محلها إلا التركيب وأما البسائط فلا تقبل في ذاتها قيام معنى بها بل هي عين المعنى يدل على شمول الرحمة للعالم وإن طرأت عوارض البلايا فإنها رحمة كما ذكرنا في شرب الدواء الكرية ليس المقصود منه عذاب من شربه ولا إيلامه وإنما المقصود من استعماله ما يؤول إليه من استعمله من الراحة والعافية ثم اعلم بعد هذا أن الحق تسمى بالظاهر والباطن فالظاهر للصور التي يتحول فيها والباطن للمعنى الذي يقبل ذلك التحول والظهور في تلك الصور فهو عالم الغيب من كونه الباطن والشهادة من كونه الظاهر وقد أعلمتك أن العالم نسخة إلهية على صورة حق ولذلك قلنا علم الله بالأشياء علمه بنفسه فلذلك حكمنا عليه بالصورة
(٣٩٠)