مبعث محمد ص فأما اليوم فما بقي لهذا المقام أثر إلا ما ذكرناه من حكم المجتهدين من العلماء بتقرير الشرع لذلك في حقهم فيحلون بالدليل ما أداهم إلى تحليله اجتهادهم وإن حرمه المجتهد الآخر ولكن لا يكون ذلك بوحي إلهي ولا بكشف والذي لصاحب الكشف في هذه الأمة تصحيح الشرع المحمدي ما له حكم الاجتهاد فلا يحصل لصاحب هذا المقام اليوم أجر المجتهدين ولا مرتبة الحكم فإن العلم بما هو الأمر عليه في الشرع المنزل يمنعهم من ذلك ولو ثبت عند المجتهد ما ثبت عند صاحب هذا المقام من الكشف بطل اجتهاده وحرم عليه ذلك الحكم ولذلك ليس للمجتهد أن يفتي في الوقائع إلا عند نزولها لا عند تقدير نزولها وإنما ذلك للشارع الأصلي لاحتمال إن يرجع عن ذلك الحكم بالاجتهاد عند نزول ما قدر نزوله ولذلك حرم العلماء الفتيا بالتقليد فلعل الإمام الذي قلده في ذلك الحكم الذي حكم به في زمانه لو عاش إلى اليوم كان يبدو له خلاف ما أفتى به فيرجع عن ذلك الحكم إلى غيره فلا سبيل أن يفتي في دين الله إلا مجتهد أو بنص من كتاب أو سنة لا بقول إمام لا يعرف دليله وإذا كان الأمر على ما ذكرناه فلم يبق في هذه الأمة المحمدية نبوة تشريع فلا نطيل الكلام فيها أكثر من هذا ولكن نطيل الكلام إن شاء الله أكثر من هذا في باب الرسالة البشرية لتقرير حكم المجتهدين والأمر الإلهي بسؤالهم فيما جهل من حكم الله في الأشياء انتهى الجزء الخامس ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب السابع والخمسون ومائة في معرفة مقام النبوة الملكية) أوحى الإله إلى الأملاك تعبده * يأمره ما لهم في النهي من قدم وهم عبيد اختصاص لا يقابله * ضد وقد منحوا مفاتح الكرم لا يعرفون خروجا عن أوامره * ورأسهم ملك سماه بالقلم أعطاه من علمه ما لا يقدره * خلق وإن له في رتبة القدم حكما كما قال في العرجون خالقنا * في سورة القلب جل الله من حكم هم أنبياء أحباء بأجمعهم * بلا خلاف وهم من جملة الأمم لكل شخص من الأملاك مرتبة * معلومة ظهرت للعين كالعلم وهم على فضلهم على التفاضل في * تقريبهم ولهم جوامع الكلم قال الله تعالى لإبليس استكبرت أم كنت من العالين وهم أرفع الأرواح العلوية وليسوا بملائكة من حيث الاسم فإنه موضوع للرسل منهم خاصة فمعنى الملائكة الرسل وهو من المقلوب وأصله مالكة والألوكة الرسالة والمالكة الرسالة فما تختص بجنس دون جنس ولهذا دخل إبليس في الخطاب بالأمر بالسجود لما قال الله للملائكة اسجدوا لأنه ممن كان يستعمل في الرسالة فهو رسول فأمره الله فأبى واستكبر وقال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين فالرسالة جنس حكم يعم الأرواح الكرام البررة السفرة والجن والإنس فمن كل صنف من أرسل ومنه من لم يرسل فالنبوءة الملكية المهموزة لا ينالها إلا الطبقة الأولى الحافون من حول العرش ولهذا يسبحون بحمد ربهم وأفراد من ملائكة الكرسي والسماوات وملائكة العروج وآخر نبي من الملائكة إسماعيل صاحب سماء الدنيا وكل واحد منهم على شريعة من ربه متعبد بعبادة خاصة وذلك قولهم وما منا إلا له مقام معلوم فاعترفوا بأن لهم حدودا يقفون عندها لا يتعدونها ولا معنى للشريعة إلا هذا فإذا أتى الوحي إليهم وسمعوا كلام الله بالوحي ضربوا بأجنحتهم خضعانا يسمعونه كسلسلة على صفوان فيصعقون ما شاء الله ثم ينادون فيفيقون فيقولون ما ذا فيقال لهم ربكم فيقولون الحق وهو قوله تعالى في حقهم حتى إذا فزع عن قلوبهم قالوا ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير فجاءوا في ذكرهم بالاسم العلي في كبريائه إن كان من قولهم فإنه محتمل أن يكون قول الله أو يكون حكاية الحق عن قولهم والعالون هم الذين قالوا لهؤلاء الذين أفاقوا ربكم وهم الذين نادوهم وهم العالون فلهذا جاء بالاسم العلي لأن كل موجود لا يعرف الحق إلا من نفسه
(٢٥٥)