الحسنى في ظهور آثارها فمنتهى علمه منتهى رحمته ثم أرجع وأقول وإن حصل في الطريق تعب فهو تعب في راحة كالأجير يحمل التعب أو يستلذه لما يكون في نفسه من راحة الأجرة التي لأجل حصولها عمل فيحجبه عن التعب وجود راحة الأجرة فإذا قبضها دخل في راحة النوم بالليل فركدت جوارحه عن الحركة فوجد الراحة فانتقل من راحة الأجرة إلى راحة النوم فعلى التحقيق أن صور العالم للحق من الاسم الباطن صور الرؤيا للنائم والتعبير فيها كون تلك الصور أحواله فليس غيره كما أن صور الرؤيا أحوال الرائي لا غيره فما رأى إلا نفسه فهذا هو قوله إنه ما خلق السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وهو عينه وهو قوله في حق العارفين ويعلمون أن الله هو الحق المبين أي الظاهر فهو الواحد الكثير فمن اعتبر الرؤيا يرى أمرا هائلا ويتبين له ما لا يدركه من غير هذا الوجه ولهذا كان رسول الله ص إذا أصبح في أصحابه سألهم هل رأى أحد منكم رؤيا لأنها نبوة فكان يحب أن يشهدها في أمته والناس اليوم في غاية الجهل بهذه المرتبة التي كان رسول الله ص يعتني بها ويسأل كل يوم عنها والجهلاء في هذا الزمان إذا سمعوا بأمر وقع في النوم لم يرفعوا به رأسا وقالوا بالمنامات يريد أن يحكم هذا خيال وما هي إلا رؤيا فيستهونوا بالرائي إذا اعتمد عليها وهذا كله لجهله بمقامها وجهله بأنه في يقظته وتصرفه في رؤيا وفي منامه في رؤيا في رؤيا فهو كمن يرى أنه استيقظ في نومه وهو في منامه وهو قوله ع الناس نيام فما أعجب الأخبار النبوية لقد أبانت عن الحقائق على ما هي عليه وعظمت ما استهونه العقل القاصر فإنه ما صدر إلا من عظيم وهو الحق فهذا معنى قولنا في التقسيم إنه قسم الانتقال وأما القسم الآخر من النوم فهو قسم الراحة وهو النوم الذي لا يرى فيه رؤيا فهو لمجرد الراحة البدنية لا غير فهذا هو حال الرؤيا وبقي معرفة المكان والمحل فأما المحل فهو هذه النشأة العنصرية لا يكون للرؤيا محل غيرها فليس للملك رؤيا وإنما ذلك للنشأة العنصرية الحيوانية خاصة ومحلها في العلم الإلهي الاستحالات في صور التجلي فكل ما نحن فيه رؤيا الحق في راحة ارتفاع الإعياء والتعب لا غير وأما المكان فهو ما تحت مقعر فلك القمر خاصة وفي الآخرة ما تحت مقعر فلك الكواكب الثابتة وذلك لأن النوم قد يكون في جهنم في أوقات ولا سيما في المؤمنين من أهل الكبائر وما فوق فلك الكواكب فلا نوم وأعني به هذا النوم الكائن المعروف في العرف وأما الذي ذهبنا إليه أولا في معرفة حال النوم فذلك أمر آخر قد بيناه وصورة مكانه هكذا فانظر إلى ما صورناه في الهامش وهو هذا هذا صورة مكان الرؤيا وهو يشبه بالقرن وهو الصور أعلاه واسع وأسفله ضيق مقلوب النش ء فإن الذي يلي الرأس منه هو الأعلى وهو الأوسع والذي هو الأضيق منه هو الأسفل وهو الذي بعد عن الأصل فذلك القرن مكان الرؤيا فإذا خرج عن هذا الصور خرج عن مكان الرؤيا المعلومة في العرف فلا يرى بعد هذا رؤيا لأنه لا تقوم به صفة نوم فهو في راحة الأبد وهذا القدر كاف فيما نرومه من التعريف بمقام الرؤيا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والذي سكتنا عنه عظيم لأن الفكر يعجز عن تصوره من أكثر الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما إن أكثر الناس لا يؤمنون وإلى العلم يرجع الفقه والعقل في قوله لا يفقهون ولا يعقلون انتهى الجزء السابع عشر ومائة (أبواب الأحوال) (الباب التاسع والثمانون ومائة في السالك والسلوك) إن السلوك هو الطريق الأقوم * فإذا استقمت فأنت فيه السالك اشتق من سلك اللآلي لفظه * فحسامه عضب المضارب باتك لا تمنعنك عن السلوك مضايق * من خلفهن أرائك ودرانك لا يسلكن لغاية ونهاية * طرق المحال بمثبتيها فاتك اعلم وفقك الله أن السلوك انتقال من منزل عبادة إلى منزل عبادة بالمعنى وانتقال بالصورة من عمل مشروع على طريق
(٣٨٠)