شقوتها مقرونة * بالبحث والمضايقة لا تلتفت لما يرى * من الأمور الخارقة ما لم تكن مسلما * لها على المطابقة إن الحكيم المجتبى * في حلبة المسابقة يجري على حكمته * مع العقول الفارقة في حضرة النور التي * لها الشموس الشارقة فاعلم أيدك الله أن من التحقيق أن تعطي المغالطة في موضعها حقها فإن لها في كتاب الله موضعا وهو قوله في أعمال الكفار كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء والحق هو الذي أعطاه في عين هذا الرائي صورة الماء وهو ليس بالماء الذي يطلبه هذا الظمآن فتجلى له في عين حاجته فإذا جاءه لم يجده شيئا فنكر وما قال لم يجده الماء فإن السراب لم يكن ذلك المحل الذي جاء إليه محل السراب ولو كان لقال وجد السراب وما كان سرابا إلا في عين الرائي طالب الماء فرجع هذا الرائي لنفسه لما لم يجد مطلوبه في تلك البقعة فوجد الله عنده فلجأ إليه في إغاثته بالماء أو بالمزيل لذلك الظماء القائم به فبأي أمر أزاله فهو المعبر عنه بالماء فلما نفى عنه اسم الشئ جعل الوجود له سبحانه لأنه ليس كمثله شئ فما هو شئ بل هو وجود فانظر ما أدق هذا التحقيق فهذا كنار موسى فتجلى له في عين حاجته فلم تكن نارا كما قلنا كنار موسى يراها عين حاجته وهو الإله ولكن ليس يدريه (الباب السادس والعشرون ومائة في معرفة مقام الحكمة والحكماء) إن الحكيم مرتب الأشياء * في أعين الأكوان والأسماء يجري مع العلم القديم بحكمه * في الحكمة المزدانة الغراء فتراه يعطي كل شئ خلقه * في حالة السراء والضراء وعن العوارض لا يزال منزها * في بدء ما تهوي من الأشياء لكنه المعصوم في أفعاله * في كل ما يجري من الأهواء اعلم أيدك الله أن الحكمة علم بمعلوم خاص وهي صفة تحكم ويحكم بها ولا يحكم عليها واسم الفاعل منها حكيم فلها الحكم واسم الفاعل من الحكم الذي هو أثرها حاكم وحكم وبهذا سمي الرسن الذي يحكم به الفرس حكمة فكل علم له هذا النعت فهو الحكمة والأشياء المحكوم عليها بكذا تطلب بذاتها واستعدادها ما يحتاج إليه فلا يعطيها ذلك إلا من نعته الحكمة واسمه الحكيم فهل للاستعدادات حكم في هذا المسمى حكيما أو الحكمة لها الحكم أو المجموع فأما الاستعداد على الانفراد فلا أثر له فإنا نرى من يستحق أمرا ما باستعداده وهو بين يدي عالم لكنه ليس بحكيم فلا يعطيه ما يستحقه لكونه جاهلا وقد يمنعه ما يستحقه مع كونه موصوفا بالعلم بما يستحقه ذلك الأمر وما يفعل فلا بالمجموع ولا بالانفراد فعلمنا إن ذلك راجع إلى أمر رابع ما هو الحكمة ولا العليم بالحكمة ولا استعداد الأمر الذي يطلب الحكمة وذلك الأمر الزائد هو الذي يبعثه على إعطاء ذلك الأمر حقه لعلمه بما يستحقه وحينئذ يسمى حكيما وما لم يكن منه ذلك فهو عالم بالحكمة وبما تستحقه وما يستحقه ذلك الأمر باستعداده فلا يسمى حكيما إلا بوجود هذا الاستعمال وهو قوله أعطى كل شئ خلقه من اسمه الحكيم فبالإعطاء الذي تعطيه الحكمة يسمى حكيما فهو علم تفصيلي عملي والعلم بالمجمل علم تفصيلي فإنه فصله عن العلم التفصيلي ولولا ذلك لم يتميز المجمل من المفصل فمن الحكمة العلم بالمجمل والتجميل والمفصل والتفصيل قال تعالى وآتيناه الحكمة عملا وفصل الخطاب في المقال فالحكيم يجري مع كل حال وموطن بحسب ذلك الحال وذلك الموطن وليس هذا إلا للملامية خاصة فهم المجهولون في الدنيا لأنهم لا يتميزون بأمر يخرجهم عن حكم ما يعطيه موطن الدنيا فإن قام به حال يناقض الموطن من وجه وهو حال النبوة أعني الرسالة فإنه لا بد أن يحكم عليه الحال وهو الذي تعطيه الحكمة فيتميز في موطن الدنيا بأنه عند الله بمكان ولم يكن له ذلك ولكن حال التبليغ يطلب
(٢٦٩)