(بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب السابع ومائتان في حال العلة) إن العليل إلى الطبيب ركونه * مهما أحس بعلة في نفسه فتراه يعبده وما هو ربه * حذرا عليه أن يحل برمسه فسألت ما سبب الركون فقيل لي * ما كان إلا كونه من جنسه اعلم أن العلة عند القوم تنبيه من الحق ومن تنبيهات الحق قوله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إن الله خلق آدم على صورته وفي رواية يصححها الكشف وإن لم تثبت عند أصحاب النقل على صورة الرحمن فارتفع الإشكال وهو الشافي من هذه العلة يقول تعالى لتبين للناس ما نزل إليهم فعلمنا أن كل رواية ترفع الإشكال هي الصحيحة وإن ضعفت عند أهل النقل وإذا كان الله هو الشافي والمعافي فهو الطبيب كما قال الصديق الطبيب أمرضني فسبب حنين صاحب العلة إلى الطبيب ما ذكرناه في الشعر وهو خلقه على الصورة ثم أيد هذا الخبر وهذا النظر الكشفي قول الله تعالى مرضت فلم تعدني ولما فسر قال مرض فلان فأنزل نفسه فيما أصاب فلانا عناية منه بفلان وهذه كلها علل لمن عقل عن الله فالعلة إثبات السبب والحق عين السبب إذ لولاه ما كان العالم فهو الخالق البارئ المصور الشافي فإذا كان هو عين العلة في قوله منك من قوله أعوذ بك منك فما شفاه إلا منه إذ لا شافي إلا الله فهو الشافي من كل علة فإن الله وضع الأسباب فلا يقدر على رفعها ووضع الله لها أحكاما فلا يمكن ردها وهو مسبب الأسباب فخلق الداء والدواء وما جعل الشفاء إلا له خاصة فالشفاء علة لإزالة المرض وما كل علة شفاء فكل مسبب سبب وما كل سبب مسبب لكن قد يكون مسبب الحكم لا مسبب العين كقوله أجيب دعوة الداع إذا دعاني فالعلة إذا كانت بمعنى السبب لها حكم وإذا كانت بمعنى المرض لها حكم فهي بمعنى المرض داء وهي بمعنى السبب حكمة فالعلة تنبيه من الحق لعبده على كل حال فوقتا ينبهه من رقدة غفلته بأمر ينزل به وذلك هو الداء والمرض فإذا فقد العافية أحس بالألم فعلم أن مصيبة نزلت به فشرع الله له أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ولا يرجع إلا من خرج ووقتا ينبهه من رقدة غفلته بحكمة تظهر له في نفسه من غير أن يكون ذا مرض نفساني فإذا كان الحق عين علته فلا يكون إلا من تجل إلهي فجأة فإن لله فجآت على قلوب عباده ترد عليهم من غير استدعاء ولا تقدم سبب معين عنده وإن كان عن سبب في نفس الأمر ولكن لا علم له بذلك غير أن القوم ما عدلوا إلى هذا الاسم الذي هو العلة إلا لما رأوا العلة مرتبطة بمعلولها والمعلول مربوطا بعلته وعلموا أن العالم ملك لله والملك مربوط حقيقة وجوده ملكا بالملك والملك الله والملك لا يكون ملكا على نفسه فهو مربوط بالملك فلما ظهر التضايف في كون العالم مربوبا ومملوكا عدلوا إلى اسم العلة ولم يعدلوا إلى اسم السبب ولا إلى اسم الشرط ولما كان بعض التنبيهات الإلهية آلاما ونوازل تكرهها النفوس بالطبع عدلوا إلى اسم بجمع التنبيهات كلها فعدلوا إلى العلة فإن المرض يسمى علة وهو من أقوى المنبهات في الرجوع إلى الله لما يتضمنه من الضعف ثم إن الله جعل الأسباب حجبا عن الله وركنت النفوس إليها ونسي الله فيها وانتقل الاعتماد عليها من الخلق والعلة وإن كانت عين السبب ولكن لاختلاف الاسم حكم فالعلة على النقيض من السبب فإنها منبهة بذاتها على الله فكان اسم العلة بالمنبه أولى فكل سبب لا يردك إلى الله ولا ينبهك عليه ولا يحضره عندك فليس بعلة فدائي هو الداء العضال لأنه * ينبهني في كل حال على نفسي فما علتي غيري وما علتي أنا * ولست بذي فصل ولست بذي جنس ولست على علم فاعرف من أنا * ولست على جهل بذاتي ولا لبس فما أنا من تعني ولا أنا غيره * ولكنني في الطرح في الضرب كالأس ولما كانت العلة التنبه الإلهي فتنبيهات الحق لا تنحصر إلا من طريق ما وهو أن التنبيه الإلهي لا يخلوا ما أن يكون من
(٤٩٠)