الهواء والمؤمن عند الله أفضل من الطير فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر وهكذا علل جميع ما ذكرناه ثم قال إلهي إن قوما طلبوك لما ذكروه فشغلتهم به وأهلتهم له اللهم مهما أهلتني لشئ فأهلني لشئ من أشيائك يقول من أسرارك فما طلب إلا العلم لأنه أسنى تحفة وأعظم كرامة ولو قامت عليك به الحجة فإنه يجعلك تعترف ولا تحاجج فإنك تعلم ما لك وما عليك وما له وما أمر الله تعالى نبيه ص أن يطلب منه الزيادة من شئ إلا من العلم لأن الخير كله فيه وهو الكرامة العظمى والبطالة مع العلم أحسن من الجهل مع العمل وأسباب حصول العلم كثيرة ولا أعني بالعلم إلا العلم بالله والدار الآخرة وما تستحقه الدار الدنيا وما خلقت له ولأي شئ وضعت حتى يكون الإنسان من أمره على بصيرة حيث كان فلا يجهل من نفسه ولا من حركاته شيئا والعلم صفة إحاطية إلهية فهي أفضل ما في فضل الله كما قال وعلمناه من لدنا علما رحمة منا فاعلم أن العلم من معدن الرحمة فقد أعلمتك ما هي الكرامة وإنها التعريف الإلهي بأن هذا الذي أتحفك به كرامة منه لا ينقص لك حظا من آخرتك ولا هو جزاء لشئ من عملك إلا لمجرد قدومك وإن قدومك عليه لم يكن إلا لجهلك به حيث لم تره في أول قدم كما اتفق لأبي يزيد لما خرج في طلب الحق من بسطام في أول أمره فلقيه بعض الرجال فقال له ما تطلب يا أبا يزيد قال الله قال له الذي تطلبه تركته ببسطام فتنبه أبو يزيد كيف يطلبه وهو تعالى يقول وهو معكم أينما كنتم فلا علم ولا إيمان فإذا حرمك الله تحصيل علم مشاهدته فلا أقل من الايمان به فلهذا قلنا ما قدم عليه إلا من جهله فلما لم يكن لهذه الطائفة هم إلا به ويطلبه كانوا وافدين عليه فأتحفهم بما أتحفهم به وعرفهم إن ذلك جائزة الوفود خاصة ومهما لم يعلموا ذلك منه بإعلامه إياهم وإلا فيخاف من المكر الإلهي في ذلك أو نقص حظ أخروي يتمنون في الآخرة أنهم لم يعطوا شيئا من ذلك في الدنيا (الباب الخامس والثمانون ومائة في معرفة مقام ترك الكرامات) ترك الكرامة لا يكون دليلا * فاصخ لقولي فهو أقوم قيلا إن الكرامة قد يكون وجودها * حظ المكرم ثم ساء سبيلا فاحرص على العلم الذي كلفته * لا تتخذ غير الإله بديلا ستر الكرامة واجب متحقق * عند الرجال فلا تكن مخذولا وظهورها في المرسلين فريضة * وبها تنزل وحيه تنزيلا كما إن الآيات والكرامات واجب على الرسول إظهارها من أجل دعواه كذلك يجب على الولي التابع سترها هذا مذهب الجماعة لأنه غير مدع ولا ينبغي له الدعوى فإنه ليس بمشرع وميزان الشرع موضوع في العالم قد قام به علماء الرسوم أهل الفتاوى في دين الله فهم أرباب التجريح والتعديل وهذا الولي مهما خرج عن ميزان الشرع الموضوع مع وجود عقل التكليف عنده سلم له حاله للاحتمال الذي في نفس الرحمن في حقه وهو أيضا موجود في الميزان المشروع فإن ظهر بأمر يوجب حدا في ظاهر الشرع ثابت عند الحاكم أقيمت عليه الحدود ولا بد ولا يعصمه ذلك الاحتمال الذي في نفس الأمر من أن يكون من العبيد الذين أبيح لهم فعل ما حرم على غيرهم شرعا فأسقط الله عنهم المؤاخذة ولكن في الدار الآخرة فإنه قال في أهل بدر ما قد ثبت من إباحة الأفعال لهم وكذلك في الخبر الوارد افعل ما شئت فقد غفرت لك ولم يقل أسقطت عنك الحد في الدنيا فالذي يقيم عليه الحد مأجور وهو في نفسه غير مأثوم ركا لحلاج ومن جرى مجراه ثم إن ترك الكرامة قد يكون ابتداء من الله وهو أنه عز وجل لا يمكن هذا الولي في نفسه من شئ من ذلك جملة واحدة مع كونه عنده من أكابر عباده وأعني خرق العوائد الظاهرة لا العلم بالله وقد يكون هذا الولي أعطاه الله تعالى في نفسه التمكن من ذلك فيترك ذلك كله لله فلا يظهر عليه منه شئ أصلا وقد رأينا ممن هو على هذا القدم جماعة كما قال سيدنا أبو السعود بن الشبل عاقل زمانه وقد سأله بعض من لا يكتمه من حاله شيئا هل أعطاك الله التصرف وهو أصل الكرامات فقال نعم منذ خمس عشرة سنة وتركناه تظرفا فالحق بتصرف لنا يريد رضي الله عنه أنه امتثل أمر الله في اتخاذه عز وجل وكيلا فقال له السائل ما ثم فقال الصلوات الخمس وانتظار الموت الرجل مثل ساعي الطير فم مشغول وقدم تسعى وكان يقول
(٣٧٠)