وأعظم الحقوق حق الله ثم حق نفسك انتهى الجزء السابع والتسعون بانتهاء السفر الثالث عشر والحمد لله (بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الثامن ومائة في معرفة الفتنة والشهوة وصحبة الأحداث والنسوان وأخذ الإرفاق منهن ومتى يأخذ المريد الإرفاق) لا تصحبن حدثا إن كنت ذا حدث * ولا نساء وكن بالله مشتغلا واحذر من الفتنة العمياء أن لها * حكما قويا على القلب الذي غفلا وشهوة النفس فاحذرها فكم فتكت * بسيد قلبه عن ربه عفلا ولا يرى أخذا رفقا من امرأة * إلا الذي من رجال الله قد كملا اعلم أيدك الله أن الفتنة الاختبار يقال فتنت الفضة بالنار إذا اختبرتها قال تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي اختبرناكم بهما هل تحجبكم عنا وعما حددنا لكم أن تقفوا عنده وقال موسى ع إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء أي تحير وتهدي من تشاء ومن أعظم الفتن التي فتن الله بها الإنسان تعريفه إياه بأن خلقه على صورته ليرى هل يقف مع عبوديته وإمكانه أو يزهو من أجل مكانة صورته إذ ليس له من الصورة إلا حكم الأسماء فيتحكم في العالم تحكم المستخلف القائم بصورة الحق على الكمال وكذلك من تأييد هذه الفتنة قول النبي ص يحكيه عن ربه إن العبد إذا تقرب إلى الله بالنوافل أحبه فإذا أحبه كان سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به وذكر اليد والرجل الحديث وإذا علم العبد أنه بهذه المثابة يسمع بالحق ويبصر بالحق ويبطش بالحق ويسعى بالحق لا بنفسه وبقي مع هذا النعت الإلهي عبدا محضا فقيرا ويكون شهوده من الحق وهو بهذه المثابة كون الحق ينزل إلى عباده بالفرح بتوبتهم والتبشيش لمن يأتي إلى بيته والتعجب من الشاب الذي قمع هواه واتصافه بالجوع نيابة عن جوع عبده وبالظمأ نيابة عن ظمأ عبده وبالمرض نيابة عن مرض عبده مع علمه بما تقتضيه عزة ربوبيته وكبريائه في ألوهيته فما أثر هذا النزول في جبروته الأعظم ولا في كبريائه الأنزه الأقدم كذلك العبد إذا أقامه الحق نائبا فيما ينبغي للرب تعالى يقول العبد ومن كمال الصورة التي قال إنه خلقني عليها أن لا يغيب عني مقام إمكاني ومنزلة عبوديتي وصفة فقري وحاجتي كما كان الحق في حال نزوله إلى صفتنا حاضرا في كبريائه وعظمته فيكون الحق مع العبد إذا وفى بهذه الصفة يثنى عليه بأنه نعم العبد إنه أواب حيث لم تؤثر فيه هذه الولاية الإلهية ولا أخرجته عن فقره واضطراره ومن تجاوز حده في التقريب انعكس إلى الضد وهو البعد من الله والمقت فاحذر نفسك فإن الفتنة بالاتساع أعظم من الفتنة بالحرج والضيق وأما الشهوة فهي آلة للنفس تعلو بعلو المشتهي وتستفل باستفال المشتهي والشهوة إرادة الالتذاذ بما ينبغي أن يلتذ به واللذة لذتان روحانية وطبيعية والنفس الجزئية متولدة من الطبيعة وهي أمها والروح الإلهي أبوها فالشهوة الروحانية لا تخلص من الطبيعة أصلا وبقي من يلتذ به فلا يلتذ إلا بالمناسب ولا مناسبة بيننا وبين الحق إلا بالصورة والتذاذ الإنسان بكماله أشد الالتذاذ فالتذاذه بمن هو على صورته أشد التذاذ برهان ذلك أن الإنسان لا يسرى في كله الالتذاذ ولا يفنى في مشاهدة شئ بكليته ولا تسري المحبة والعشق في طبيعة روحانيته إلا إذا عشق جارية أو غلاما وسبب ذلك أنه يقابله بكليته لأنه على صورته وكل شئ في العالم جزء منه فلا يقابله إلا بذلك الجزء المناسب فلذلك لا يفنى في شئ يعشقه إلا في مثله فإذا وقع التجلي الإلهي في عين الصورة التي خلق آدم عليها طابق المعنى المعنى ووقع الالتذاذ بالكل وسرت الشهوة في جميع أجزاء الإنسان ظاهرا وباطنا فهي الشهوة التي هي مطلب العارفين الوارثين ألا ترى إلى قيس المجنون في حب ليلى كيف أفناه عن نفسه لما ذكرناه وكذلك رأينا أصحاب الوله والمحبين أعظم لذة وأقوى محبة في جناب الله من حب الجنس فإن الصورة الإلهية أتم في العبد من مماثلة الجنس لأنه لا يتمكن للجنس أن يكون سمعك وبصرك بل يكون غايته إن يكون مسموعك ومدركك اسم مفعول وإذا كان العبد مدرك بحق هو أتم فلذته أعظم وشهوته
(١٨٩)