غير جبريل لا والله إلا جبريل فما رآهما إلا في الدنيا في دارها وحياتها وقال متمدحا ولله ملك السماوات والأرض وهما للدار الدنيا وقد قررنا أنه كل ما في الآخرة هو في الدنيا فمنه ما عرفناه ومنه ما لم نعرفه بل في الدنيا من الزيادة ما ليست في الآخرة فالدنيا أكمل في النشأة ولولا التكليف وعدم حصول كل الأغراض لم تزنها الآخرة فإن قلت فما الزيادة التي تزيد بها الدنيا على الآخرة قلنا الآخرة دار تمييز والدار الدنيا دار تمييز واختلاط فأهل النار مميزون وأهل الجنة مميزون فأهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار يعرفون كلا بسيماهم والدار الدنيا فيها ما في الآخرة من التمييز لكن لا يعم فإنه قد علمنا في الدنيا بإعلام الله أن الرسل والأنبياء ومن عينته الرسل بالبشرى أنه سعيد يقول الله لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة فهذا عموم الدنيا فما ينقلب أحد من أهل السعادة إلى الآخرة حتى يبشر في الدنيا ولو نفس واحد فيحصل المقصود ومن عينته الرسل بالبشرى أنه شقي فقد تميز بالشقاء يقول سبحانه فبشرهم بعذاب أليم وسكت عن أكثر الناس فلم يعين منهم أحدا وظهرت صفات الأشقياء في الآخرة في هذه الدار على السعداء من الحزن والبلاء والبكاء والذلة والخشوع وظهرت صفات السعداء في الآخرة في هذه الدار من الخير والنعمة والتفكه والوصول إلى نيل الأغراض ونفوذ الأوامر على الأشقياء من أهل النار إذ هذه النشأة تعطي أن يكون لها حظ ونصيب من هذه الصفات فمنهم من تجمع له في الدار الواحدة ومنهم من تكون له في الدارين فيظهر المؤمن بصفة الكافر حتى يختم له بالإيمان ويظهر الكافر بصفة المؤمن حتى يختم له بالكفر ثم إن الله قد شرك السعيد والشقي في إطلاق الايمان والكفر وهذان اللفظان معلومان فأكثر الناس ما يطلق الايمان إلا على المؤمن بالله ولا الكافر إلا على الكافر بالله والله يقول والذين آمنوا بالباطل فسماهم مؤمنين وكفروا بالله فقد أعطت الدنيا ما أعطت الآخرة وهذه الزيادة التي لا تكون في الآخرة والتشريع لا يكون في الآخرة إلا في موطن واحد حين يدعون إلى السجود ليرجح بتلك السجدة ميزان أصحاب الأعراف والناس لا يشعرون ولما أوردناه يقول بعض أهل الله ولا أزكي على الله أحدا إن وجود الحق في الدنيا في الإنسان أكمل منه في الآخرة وقد رأينا من ذهب إلى هذا وشافهنا به في مجالس وجعل دليله الخلافة فالإنسان في الدنيا أكمل في الصفات الأسمائية منه في الآخرة بلا شك لأنه يظهر بالإنعام والانتقام ولا يكون له ذلك في الآخرة فإنه لا إنعام له على أحد ولا انتقام وإن شفع فبإذن فالأنعام لمن أذن وأما في الجنة والنار بعد ذبح الموت فلا بل في القيامة يكون من ذلك طرف انتقام لحكمة ذكرناها في هذا الكتاب مثل قوله ع فسحقا سحقا فراقبوا الله هنا عباد الله مراقبة الدنيا أبناءها فهي الأم الرقوب وكونوا على أخلاق أمكم تسعدوا (الباب السابع والعشرون ومائة في ترك المراقبة) لا تراقب فليس في الكون إلا * واحد العين وهو عين الوجود فتسمى في حالة بمليك * وتكني في حالة بالعبيد ودليلي ما جاء من افتقار * الفقراء إلى الغني الحميد هكذا جاء في التلاوة نصا * في قريب من سعده وبعيد ثم جاءوا بأقرضوا الله قرضا * فبدى النقص وهو عين المزيد لما كانت المراقبة تنزلا مثاليا للتقريب واقتضت مرتبة العلماء بالله أنه ليس كمثله شئ فارتفعت الأشكال والأمثال ولم يتقيد أمر إلا له ولا انضبط وجهل الأمر وتبين أنه لم يكن معلوما في وقت الاعتقاد بأنه كان معلوما لنا ولم يحصل في العلم به أمر ثبوتي بل سلب محقق ونسبة معقولة أعطتها الآثار الموجودة في الأعيان فلا كيف ولا أين ولا متى ولا وضع ولا إضافة ولا عرض ولا جوهر ولا كم وهو المقدار وما بقي من العشرة إلا انفعال محقق وفاعل معين أو فعل ظاهر من فاعل مجهول يرى أثره ولا يعرف خبره ولا يعلم عينه ولا يجهل كونه فلمن نراقب وما ثم من يقع عليه عين ولا من يضبطه خيال ولا من يحدده زمان ولا من تعدده صفات وأحكام ولا من تكسيفه أحوال ولا من تميزه أوضاع ولا من تظهره إضافة فكيف نراقب من لا يقبل الصفات والعلم يرفع الخيال فهو الرقيب لا المراقب وهو الحفيظ لا المحفوظ فالذي يحفظه الإنسان إنما
(٢١١)