(بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب التاسع والتسعون في مقام النوم) النوم جامع أمر ليس يجمعه * غير المنام ففكر فيه واعتبر أن الخيال له حكم وسلطنة * على الوجودين من معنى ومن صور وليس يدرك في غير المنام ولا * تبدو له صور في حضرة السور يختص بالصاد لا بالسين حضرته * فهو المحيط بما في الغيب من صور من لا يكيف يأبى النوم يحصره * بالكيف والكم للتحديد بالعبر اعلم أيدك الله أن النوم حالة تنقل العبد من مشاهدة عالم الحس إلى شهود عالم البرزخ وهو أكمل العالم فلا أكمل منه هو أصل مصدر العالم له الوجود الحقيقي والتحكم في الأمور كلها يجسد المعاني ويرد ما ليس قائما بنفسه قائما بنفسه وما لا صورة له يجعل له صورة ويرد المحال ممكنا ويتصرف في الأمور كيف يشاء فإذا كان له هذا الإطلاق وهو خلق مخلوق لله فما ظنك بالخالق سبحانه الذي خلقه وأعطاه هذه القوة فكيف تريد أن تحكم على الله بالتقيد وتقول إن الله غير قادر على المحال وأنت تشهد من نفسك قدرة الخيال على المحال والخيال خلق من خلق الله ولا تشك فيما تراه من المعاني التي جسدها لك وأراها إياك أشخاصا قائمة فكذلك يأتي الله بأعمال بني آدم مع كونها أعراضا صورا قائمة توضع في الموازين لإقامة القسط ويؤتى بالموت مع كونه نسبة فوق العرض في البعد عن التجسد في صورة كبش أملح يريد أنه في غاية الوضوح لهذا وصفه بالملحة وهي البياض فيعرفه جميع الناس فهذا محال مقدور فأين حكم العقل على الله وفساد تأويله وكذلك نعيم الجنان في فواكهه لا مقطوعة ولا ممنوعة فيتأوله من لا علم له بحمله على فصول السنة إن الفاكهة تنقضي بانقضاء زمانها ثم تعود في السنة الأخرى وفاكهة الجنة دائمة التكوين لا تنقطع هذا مبلغ علمهم في هذه المسألة وهي عندنا كما قال الله لا مقطوعة ولا ممنوعة فإن الله جاعل لنا فيها رزقا يسمى قطفا وتناولا كما جعل الله لعالم الجن في العظام رزقا وما نرى ينقص من العظم شئ ونحن بلا شك نأكل من فاكهة الجنة قطفا دانيا مع كون الثمرة في موضعها من الشجرة ما زال عينها لأنها دار بقاء لما يتكون فيها فهي دار تكوين لا دار إعدام وكذلك سوق الجنة ندخل في أي صورة شئنا من صور السوق مع كوننا على صورتنا لا ينكرنا أحد من أهلنا ولا من معارفنا ونحن نعلم أن قد لبسنا صورة جديدة تكوينية مع بقائنا على صورتنا فأين العقول والمعقول هنا لا يعرف الله إلا الله فاعتبروا * ما عقل عين كعقل قلد الفكرا ولما نزه الله نفسه عن صفة النوم فقال لا تأخذه سنة ولا نوم أي ما يغيبه شهود البرازخ عن شهود عالم الحس عن شهود المعاني الخارجة عن المواد في حال عدم حصولها في البرزخ وتحت حكمه وقد يمنح الله بعض عباده بهذا الإدراك مع كونه لا يتصف بأنه لا ينام أعني في حالة الدنيا ونشأتها وأما في الآخرة فإنه لا ينام أهل الجنة في الجنة ولا يغيب عنهم شئ من العالم بل كل عالم على مرتبته مشهود لهم مع كونهم غير متصفين بالنوم يقال نام فلان فرأى كذا أي رأى مقلوبة وهو مان أي كذب في عرف العادة فإن العلم ما هو لبن والقرآن ما هو عسل ولكن هكذا تراه فإذا كملت رأيته علما في حضرة المعاني في حال رؤيتك إياه لبنا في حضرة البرزخ وهو هو لا غيره فتحقق ما أعلمناك به فقد أرحناك بما ذكرناه راحة الأبد وقد عرفناك بالإله المعرفة المطلوبة منا وإذا تحققت ما أومأنا إليه في هذا الباب علمت جميع ما جاء به الشرع في الكتاب والسنة قديما وحديثا من النعوت الإلهية التي تردها العقول ببراهينها القاصرة عن هذا الإدراك فمعرفة وجود الحق مدرك العقول من حيث ما هي مفكرة وصاحبة دلالات ومعرفة ما هو الحق عليه في نفسه هو ما أعطاه الوجود لكل إدراك في عالمه فما ثم إلا حق ومصيب فسبحان من طور الأطوار وجعل في اليوم حقيقة الليل والنهار وأنزل الأحكام وشرعها على التفصيل لا على الإجمال والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والنوم
(١٨٣)