المصباح من قوله الله نور وكذلك الخبر إن الله تعالى إذا تكلم بالوحي كأنه سلسلة على صفوان وأين كلام الحق تعالى من ضرب سلسلة على صفوان كذلك قوله العزة إزاري فأنزل نفسه لعباده منزلة من يقبل الاتصاف بالإزار وإن مراده من علمهم به في مثل هذا ما يناسب الإزار وما يستره الإزار واعلم أن الإزار يتخذ لثلاثة أمور الواحد للتجمل والثاني للوقاية والثالث للستر والمقصود في هذا الخبر من الثلاثة الوقاية خاصة لأجل قوله العزة فإن العزة تطلب هنا الامتناع من الوصول إليه لأن الإزار بقي موضع الغيرة أن تطلع إليه الأبصار ولما كانت العزة منيعة الحمى أن يتصف بها على الحقيقة خلق من المخلوقات أو مبدع من المبدعات لاستصحاب الذلة للمخلوقات والمبدعات وهي تناقض العزة فلما اتزر الحق بالعزة منع العقول أن تدرك قبول الأعيان للإيجاد الذي اتصفت به وتميزت لأعيانها فلا يعلم ما سوى الله صورة إيجاده ولا قبوله ولا كيف صار مظهرا للحق ولا كيف وصفه بالوجود فقيل فيه موجود وقد كان يقال فيه معدوم فقال الحق العزة إزاري أي هي حجاب علي ما من شأن النفوس أن تتشوف إلى تحصيله ولهذا قال من نازعني واحدا منهما قصمته فأخبر أنه ينازع في مثل هذه الصفات التي لا تنبغي إلا له مثل العزة والعظمة والكبرياء والعزة القهر الذي نجده عن إدراك السر الذي به ظهور العالم (السؤال الرابع ومائة) ما قوله والعظمة ردائي الجواب أن الله قد نبه أن العظمة التي تلبسها العقول رداء يحجبها عن إدراك الحق عند التجلي فليست العظمة صفة للحق على التحقيق وإنما هي صفة للقلوب العارفة به فهي عليها كالرداء على لابسه وهي من خلفه تحجبها تلك العظمة عن الإدلال عليه وتورثها الإذلال بين يديه ومن الدليل على أن يوصف العظيم بالعظمة أنه راجع إلى العالم به لا إليه أن المعظم إذا رآه من لا يعرفه لا يجد لذلك النظر في قلبه هيبة ولا تعظيما لجهله به والذي يعلم مكانته ومنزلته له على قلبه سلطان العلم به فيورثه ذلك العلم عظمة في قلبه فهو الموصوف بالعظمة لا العظيم وقد ورد خبر ذكره أبو نعيم الحافظ في دلائل النبوة أن جبريل أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسرى به في شجرة فيها كوكرى طائر فقعد جبريل في الواحد وقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآخر فلما وصلا إلى السماء الدنيا تدلى إليهما شبه الرفرف درا وياقوتا فأما جبريل فغشي عليه وأما محمد صلى الله عليه وسلم فبقي على حاله ما تغير عليه شئ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمت فضل جبريل علي في العلم لأنه علم ما رأى وأنا ما علمته فالعظمة التي حصلت في قلب جبريل إنما كانت من علمه بما تدلى إليه فقلب جبريل هو الموصوف بتلك العظمة فهي حال للرائي لا للمرئي ولو كانت العظمة حالة للمرئي لعظمة كل من رآه والأمر ليس كذلك وقد ورد في الحديث الصحيح أن الله يتجلى يوم القيامة لهذه الأمة وفيها منافقوها فيقول أنا ربكم فيستعيذون منه ولا يجدون له تعظيما وينكرونه لجهلهم به فإذا تجلى لهم في العلامة التي يعرفونه بها أنه ربهم حينئذ يجدون عظمته في قلوبهم والهيبة فلهذا قلنا في قوله العظمة ردائي أي هي رداؤه الذي تلبسه عقول العلماء به وجعلها رداء ولم يجعلها ثوبا فإن الرداء له كمية واحدة والثوب مؤلف من كميات مختلفة ضم بعضها إلى بعض كالقميص وكذلك أيضا الإزار مثل الرداء ولم يقل السراويل لأن ذلك أقرب إلى الأحدية من الثوب المؤلف لتنوع الشكل (السؤال الخامس ومائة) ما الإزار الجواب حجاب الغيرة والستر على تأثير القدرة الإلهية في الحقيقة الخامسة الكلية الظاهرة في القديم قديمة وفي المحدثات محدثة وهو ظهور الحقائق الإلهية والصور الربانية في الأعيان الثابتة الموصوفة بالإمكان التي هي مظاهر الحق فلا يعلم نسبة هذا الظهور إلى هذا المظهر إلا الله سبحانه وتعالى فالحجاب الذي حال بيننا وبين هذا العلم هو المعبر عنه بالإزار وهي كلمة كن ولا أريد به حرف الكاف والواو والنون وإنما أريد به المعنى الذي به كان هذا الظهور (السؤال السادس ومائة) ما الرداء الجواب العبد الكامل المخلوق على الصورة الجامع للحقائق الإمكانية والإلهية وهو المظهر الأكمل الذي لا أكمل منه الذي قال فيه أبو حامد ما في الإمكان أبدع من هذا العالم لكمال وجود الحقائق كلها فيه وهو العبد الذي ينبغي أن يسمى خليفة ونائبا وله الأثر الكامل في جميع الممكنات وله المشيئة التامة وهو
(١٠٣)