ومكارم الأخلاق عند من يتخلق بها معه عبارة عن موافقة غرضه سواء حمد ذلك عند غيره أو ذم فلما لم يتمكن في الوجود تعميم موافقة العالم بالجميل الذي هو عنده جميل نظر في ذلك نظر الحكيم الذي يفعل ما ينبغي كما ينبغي لما ينبغي فنظر في الموجودات فلم يجد صاحبا مثل الحق ولا صحبة أحسن من صحبته ورأى أن السعادة في معاملته وموافقة إرادته فنظر فيما حده وشرعه فوقف عنده واتبعه وكان من جملة ما شرعه أن علمه كيف يعاشر ما سوى الله من ملك مطهر ورسول مكرم وإمام جعل الله أمور الخلق بيده من خليفة إلى عريف وصاحب وصاحبة وقرابة وولد وخادم وداية وحيوان ونبات وجماد في ذات وعرض وملك إذا كان ممن يملك فراعى جميع من ذكرناه بمراعاة الصاحب الحق فما صرف الأخلاق إلا مع سيده فلما كان بهذه المثابة قيل فيه مثل ما قيل في رسوله وإنك لعلى خلق عظيم قالت عائشة كان القرآن خلقه يحمد ما حمد الله ويذم ما ذم الله بلسان حق في مقعد صدق عند مليك مقتدر فلما طابت أعراقه وعم العالم أخلاقه ووصلت إلى جميع الآفاق إرفاقه استحق أن يختم بمن هذه صفته الولاية المحمدية من قوله وإنك لعلى خلق عظيم جعلنا الله ممن مهد له سبيل هداه ووفقه للمشي عليه وهداه (السؤال الخامس عشر) فإن قلت ما سبب الخاتم ومعناه فلنقل في الجواب كمال المقام سببه والمنع والحجر معناه وذلك أن الدنيا لما كان لها بدء ونهاية وهو ختمها قضى الله سبحانه أن يكون جميع ما فيها بحسب نعتها له بدء وختام وكان من جملة ما فيها تنزيل الشرائع فختم الله هذا التنزيل بشرع محمد صلى الله عليه وسلم فكان خاتم النبيين وكان الله بكل شئ عليما وكان من جملة ما فيها الولاية العامة ولها بدء من آدم فختمها الله بعيسى فكان الختم يضاهي البدء إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم فختم بمثل ما به بدأ فكان البدء لهذا الأمر بنبي مطلق وختم به أيضا ولما كانت أحكام محمد صلى الله عليه وسلم عند الله تخالف أحكام سائر الأنبياء والرسل في البعث العام وتحليل الغنائم وطهارة الأرض واتخاذها مسجدا وأوتي جوامع الكلم ونصر بالمعنى وهو الرعب وأوتي مفاتيح خزائن الأرض وختمت به النبوة عاد حكم كل نبي بعده حكم ولي فأنزل في الدنيا من مقام اختصاصه واستحق أن يكون لولايته الخاصة ختم يواطئ اسمه اسمه صلى الله عليه وسلم ويحوز خلقه وما هو بالمهدي المسمى المعروف المنتظر فإن ذلك من سلالته وعترته والختم ليس من سلالته الحسية ولكنه من سلالة أعراقه وأخلاقه صلى الله عليه وسلم أما سمعت الله يقول فيما أشرنا إليه ولكل أمة أجل وجميع أنواع المخلوقات في الدنيا أمم وقال كل يجري إلى أجل مسمى في أثر قوله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى فجعل لها ختاما وهو انتهاء مدة الأجل وإن من شئ إلا يسبح بحمده فما من نوع إلا وهو أمة فافهم ما بيناه لك فإنه من أسرار العالم المخزونة التي لا تعرف إلا من طريق الكشف والله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم (السؤال السادس عشر) كم مجالس ملك الملك الجواب على عدد الحقائق الملكية والنارية والإنسانية واستحقاقاتها الداعية لإجابة الحق فيما سألته منه بسط ذلك اعلم أولا أنه لا بد من معرفة ملك الملك ما أرادوا به ثم بعد هذا تعرف كمية مجالسه إن كان لها كمية محصورة فالملك هو الذي يقضي فيه مالكه ومليكة بما شاء ولا يمتنع عنه جبرا فيسمى كرها أو اختيارا فيسمى طوعا قال تعالى ولله يسجد من في السماوات ومن في الأرض طوعا وكرها فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها والمأمور هو الملك والآمر هو المالك ولا بد من أخذ الإرادة في حد الأمر لأنه اقتضاء وطلب من الآمر بالمأمور سواء كان المأمور دونه أو مثله أو أعلى وفرق الناس بين أمر الدون وبين أمر الأعلى فسموا أمر الدون إذا أمر الأعلى طلبا وسؤالا مثل قوله تعالى اهدنا فلا يشك إنه أمر من العبد لله فسمي دعاء وإذا فهمت هذا وعلمت أن المأمور هو بالنسبة إلى الآمر ملكا والآمر مليك ثم رأيت المأمور وقد امتثل أمر آمره وأجابه فيما سأل منه أو اعترف بأنه يجيبه إذا دعاه لما يدعوه إليه إن كان المدعو أعلى منه فقد صير نفسه هذا الأعلى ملكا لهذا الدون وهذا الدون هو تحت حكم هذا الأعلى وحيطته وقهره وقدرته وأمره فهو ملكه بلا شك وقد قررنا أن الدون الذي هو بهذه المثابة قد يأمر سيده فيجيبه السيد لأمره فيصير بتلك الإجابة ملكا له وإن كان عن
(٥٠)