فيجنح إلى طلب البرودة ليسكن بها ما يجده من ألم الحرارة ويحيي بها نفسه ويبس القبض الذي هو عليه يطلب الرطوبة فنظر الاسم الرزاق في غذاء يحيا به يكون باردا ليقابل به الحرارة وسلطانها ويكون رطبا فيقابل به سلطان اليبس فوجد الماء باردا رطبا فجعل منه كل شئ حي في كل صنف صنف بما يليق به قال تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون أي يصدقون بذلك وإنما قرن به الايمان لجواز خلافه عقلا الذي هو ضد الواقع من أنه لو غلب عليه خلاف ما غلب عليه أهلكه فلا بد أن تكون حياته في نقيض ما غلب عليه ألا ترى لو غلب عليه البرد والرطوبة هلك ولم يكن له حياة إلا الحرارة واليبس فكان يقال في تلك الحال وجعلنا من النار كل شئ حي ولو غلب عليه البرد واليبس لكانت حياته بالهواء فيقال في تلك الحال وجعلنا من الهواء كل شئ حي ولو أفرطت فيه الحرارة والرطوبة لكانت حياته بالتراب وكان يقال لتلك الحالة وجعلنا من التراب كل شئ ثم هذا ما يحتمله التقسيم في هذا لو كان فلما كان الواقع في العالم غلبة الحرارة واليبوسة عليه لما ذكرناه من سبب الصورة والقبض ثار عليه سلطان الحرارة واليبس فلم تكن له حياة إلا ببارد رطب فكان الماء فقال وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون وينظرون في قولنا من الماء فيعلمون طبع الماء وأثره وفيمن يؤثر وما ذا يدفع به فيعلم إن العالم موصوف بنقيض ما يقتضيه الماء فيحكم عليه به فيعلم الناظر من طبع الدواء ما يقابل به طبع المرض الذي نزل بهذا المريض فنفس الرحمن عنه ما كان يجده هذا المريض فهذا من النفس الرحماني فالأرزاق كلها عند المحقق أدوية لأن العالم كله يخاف التلف على نفسه لأن عينه ظهر عن عدم وقد تعشق بالوجود فإذا قام به من يمكن عنده إذا غلب عليه إن يلحقه بالعدم سارع إلى طلب ما يكون به بقاؤه وإزالة حكم مرضه أو توقع مرضه فذلك رزقه الذي يحيا به ودواؤه الذي فيه شفاؤه أي نوع كان في الشخصيات وكل ما يقبل النمو فهو نبات والذي ينمو به هو رزقه ثم إن الرزق على نوعين في الميزان الموضوع في العالم لإقامة العدل وهو الشرع النوع الواحد يسمى حراما والنوع الآخر يسمى حلالا وهو بقية الله التي جاء نصها في القرآن قال تعالى بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين فهذه هي التي بقيت للمؤمنين من قوله خلق لكم ما في الأرض جميعا والايمان لا يقع إلا بالشرع وجاء هذا القول في قصة شعيب صاحب الميزان والمكيال فهذا علم مستفاد من الإعلام الإلهي والرزاق هو الذي بيده هذا المفتاح فرزق الله عند بعض العلماء جميع ما يقع به التغذي من حلال وحرام فإن الله يقول وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وهو ظاهر لا نص وقال فذروها تأكل في أرض الله والله يرزق من يشاء بغير حساب وقد نهانا عن التغذي بالحرام فلو كان رزق الله في الحرام ما نهانا عنه فاذن ما هو الحرام رزق الله وإنما هو رزق ورزق الله هو الحلال وهو بقية الله التي أبقاها لنا بعد وقوع التحجير وتحريم بعض الأرزاق علينا ولتعلم من جهة الحقيقة أن الخطاب ليس متعلقة إلا فعل المكلف لا عين الشئ الممنوع التصرف فيه فالكل رزق الله والمتناول هو المحجور عليه لا المتناول بفتح الواو فإن الرزاق لا يعطيك إلا رزقك وما يعطي الرزاق لا يطعن فيه فلهذا علق الذم بفعل المكلف لا بالعين التي حجر عليه تناولها فإن المالك لها لم يحجر عليه تناولها والحرام لا يملك وهذه مسألة طال الخبط فيها بين علماء الرسوم وأما قوله فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا من العامل في الحال فظاهر الشرع يعطي أن العامل رزقكم فإن من هنا في قوله مما رزقكم الله للتبيين لا للتبعيض فإنه لا فائدة للتبعيض فإن التبعيض محقق مدرك ببديهة العقل لأنه ليس في الوسع العادي أكل الرزق كله وإذا كانت للتبيين وهي متعلقة بكلوا فبين إن رزق الله هو الحلال الطيب فإن أكل ما حرم عليه فما أكل رزق الله فتدبر وانظر ما به حياتك فذلك رزقك ولا بد ولا يصح فيه تحجير وسواء كان في ملك الغير أو لم يكن وهذه إشارة في تلخيص المسألة وهي التي يطلبها الاسم الرزاق فإن المضطر لا حجر عليه وما عدا المضطر فما تناول الرزق لبقاء الحياة عليه وإنما تناوله للنعيم به وليس الرزق إلا ما تبقي به حياته عليه فقد نبهت خاطرك إلى فيصل لا يمكن رده من أحد من علماء الشريعة فإن الله يقول فمن اضطر غير باع ولا عاد بعد التحجير وقال إلا ما اضطررتم إليه وذلك هو الرزق الذي نحن بصدده وهو الذي يعطيه الرزاق جعلنا الله من المرزوقين الذين لا يكونون أرزاقا فإن الله أنبتنا من الأرض
(٤٦٣)