هو الباطن الحق في غيبتي * وعند حضوري هو الظاهر فإن فته فإنا أول * وإن فاتني فإنا الآخر اعلم أنه لا تكون غيبة إلا بحضور فغيبتك من تحضر معه لقوة سلطان المشاهدة كما أن سلطان البقاء يفنيك لأنه صاحب الوقت والحكم والتفصيل في الحضور في أهله كما ذكرناه في الغيبة سواء فكل غائب حاضر وكل حاضر غائب لأنه لا يتصور الحضور مع المجموع وإنما هو مع آحاد المجموع لأن أحكام الأسماء والأعيان تختلف والحكم للحاضر فلو حضر بالمجموع لتقابلت وأدى إلى التمانع وفسد الأمر فلا يصح الحضور مع المجموع لا عند من يرى حضوره بحق ولا عند من يرى حضوره بخلق فإن حكم الأعيان مثل حكم الأسماء في التقابل والاختلاف وظهور السلطان فتدبر ما ذكرناه تجد العلم إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والأربعون ومائتان في السكر) السكر أقعدني على العرش * المحيط المستدير وأنا بقاع قرقر * من كل ما يغني فقير والسكر من خمر الهوى * والسكر من نظر المدير قد قال قبلي شاعر * وهو العليم به الخبير فإذا سكرت فإنني * رب الخورنق والسرير وإذا صحوت فإنني * رب الشويهة والبعير قال تعالى وأنهار من خمر لذة للشاربين وهو علم الأحوال ولهذا يكون لمن قام به الطرب والالتذاذ وأما حدهم له بأنه غيبة بوارد قوي فما هو غيبة إلا عن كل ما يناقض السرور والطرب والفرح وتجلى الأماني صورا قائمة في عين صاحب هذا الحال ورجال الله تعالى في حال السكر على مراتب نذكرها إن شاء الله فسكر طبيعي وهو ما تجده النفوس من الطرب والالتذاذ والسرور والابتهاج بوارد الأماني إذا قامت الأماني له في خياله صورا قائمة لها حكم وتصرف يقول شاعرهم فإذا سكرت فإنني * رب الخورنق والسرير فإنه كان يرى ملكه لذينك غاية مطلوبه فلما سكر قامت له صورة الخورنق والسرير ملكا له يتصرف فيه في حضرة تخيله وخياله أعطاه إياه حال السكر فإن له أثرا قويا في القوة المتخيلة فالواقفون من أهل الله مع الخيال لهم هذا السكر الطبيعي فإنهم لا يزالون يراقبون ما تخيلوا تحصيله من الأمور المطلوبة لهم من الله حتى يتقوى عندهم ذلك ويحكم عليهم مثل قوله عليه السلام اعبد الله كأنك تراه وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا إن الله في قبلة المصلي وقول الصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة إيمانه حين قال أنا مؤمن حقا فقال رضي الله عنه كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا يعني في يوم القيامة فجاء بما تعطيه حضرة الخيال فإذا تقوى مثل هذا التخيل أسكر النفس وقامت له صورة ما تخيل ينظر إليها بعينه ويخبر عنها كرؤية صاحب الرؤيا سواء وتلقي إليه ويصغي إليها وهو لا يعلم أنه يخاطب ويشاهد صورة خيالية بل يقطع أن ذلك شهود حسي فإذا صحا من ذلك السكر ارتفع عنه ذلك الأمر من حيث صورته مع بقاء تخيله عند بعض الناس ممن يتذكر ذلك في الذهن كما يرتفع عنه صورة ما رأى في النوم بالانتباه ومن أهل هذا المقام من يبقي الله له تلك الصورة المتخيلة في حال صحوه فيثبتها له محسوسة بعد ما كانت متخيلة كالجنة التي خيلها إبليس في الخيال المنفصل لسليمان عليه السلام ليفتنه بها ولا علم لسليمان عليه السلام بذلك فسجد شكر الله تعالى حيث أتحفه بها فأبقاها الله له جنة محسوسة يتنعم بها ورجع إبليس خاسرا لأنه أراد بذلك فتنته وما علم أن أهل الله إذا وقع لهم مثل هذا أنه يحدث ذلك عبادة لله عندهم هذا والمخيل عدو فكيف حالهم إذا كان خيالهم منهم وليسوا بأعداء نفوسهم فإنهم يسعون في خلاصها ونجاتها فإذا كان سكرهم الطبيعي أثمر لهم مثل هذا فما ظنك بما فوقه من مراتب الإسكار وأما السكر العقلي فهو شبيه بالسكر الطبيعي في رد الأمور إلى ما تقتضيه حقيقته لا إلى
(٥٤٤)