هذا القول ما حرر الأمر على ما يقتضيه وجه الحق فيه وذلك أن تنظر المراتب فإن كانت تقتضي الفضيلة فتنظر أية مرتبة هي أعم من الأخرى وأعظم فالمتصف بها أفضل ففضل أرباب المراتب بفضل المراتب فقد يزيد ويفضل بعض الناس غيره بشئ ما فيه ذلك الفضل فإن الفضل في هذا الوجه لا ينظر من حيث إنه زيادة ولكن ينظر من حيث اعتبار زيادات لها شرف في العرف والعقل كالعلم والنجارة والخياطة والعلم بالأحكام الشرعية والعلم بما ينبغي لجلال الله وكل واحد منهم لا يعلم علم الآخر فيقال قد فضل النجار على الموحد بالدليل بالنجارة هذا لا يقال على جهة الفخر والمدح بل على جهة الزيادة ويقال فضل العالم بالله النجار على طريق الشرف والفخر فمثل هذه المفاضلة هي التي تعتبر وهي أن يزيد كل واحد على صاحبه برتبة تقتضي المجد والشرف فهذا معنى قوله فضلنا بعض النبيين على بعض بما يقتضيه الشرف ونحن نجمع إلى ذلك الزيادة فنقول في قوله فضلنا بعض النبيين على بعض أي جعلنا عند كل واحد من صفات المجد والشرف ما لم نجعل عند الآخر فقد زاد بعضهم على بعض في صفات الشرف والمراتب التي فضلوا بها بعضهم على بعض ما فيها مفاضلة عندنا لارتباطها بالأسماء الإلهية والحقائق الربانية ولا تصح مفاضلة بين الأسماء الإلهية لوجهين الواحد أن الأسماء نسبتها إلى الذات نسبة واحدة فلا مفاضلة فيها فلو فضلت المراتب بعضها بعضا بحسب ما استندت إليه من الحقائق الإلهية لوقع الفضل في أسماء الله فيكون بعض الأسماء الإلهية أفضل من بعض وهذا لا قائل به عقلا ولا شرعا ولا يدل عموم الاسم على فضله لأن الفضلية إنما تقع فيما من شأنه أن يقبل فلا يتعمل في القبول أو فيما يجوز أن يوصف به فلا يتصف به والوجه الآخر أن الأسماء الإلهية راجعة إلى ذاته والذات واحدة والمفاضلة تطلب الكثرة والشئ لا يفضل نفسه فإذا المفاضلة لا تصح فمعقول فضلنا بعض النبيين على بعض أي أعطينا هذا ما لم نعط هذا وأعطينا هذا أيضا ما لم نعط من فضله ولكن من مراتب الشرف فمنهم من كلم الله وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس فمنهم من فضل بأن خلقه بيديه وأسجد له الملائكة ومنهم من فضل بالكلام القديم الإلهي بارتفاع الوسائط ومنهم من فضل بالخلة ومنهم من فضل بالصفوة وهو إسرائيل يعقوب فهذه كلها صفات شرف ومجد لا يقال إن خلته أشرف من كلامه ولا إن كلامه أفضل من خلقه بيديه بل كل ذلك راجع إلى ذات واحدة لا تقبل الكثرة ولا العدد فهي بالنسبة إلى كذا خالقة وبالنسبة إلى كذا مالكة وبالنسبة إلى كذا عالمة إلى ما نسبت من صفات الشرف والعين واحدة وأما المسألة الطفولية التي بين الناس واختلافهم في فضل الملائكة على البشر فإني سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الواقعة فقال لي إن الملائكة أفضل فقلت له يا رسول الله فإن سألت ما الدليل على ذلك فما أقول فأشار إلى أن قد علمتم أني أفضل الناس وقد صح عندكم وثبت وهو صحيح إني قلت عن الله تعالى أنه قال من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ومن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وكم ذاكر لله تعالى ذكره في ملأ أنا فيهم فذكره الله في ملأ خير من ذلك الملأ الذي أنا فيهم فما سررت بشئ سروري بهذه المسألة فإنه كان على قلبي منها كثير وإن تدبرت قوله تعالى هو الذي يصلي عليكم وملائكته وهذا كله بلسان التفصيل وأما جهة الحقائق فلا مفاضلة ولا أفضل لارتباط الأشخاص بالمراتب وارتباط المراتب بالأسماء الإلهية وإن كان لها الابتهاج بذاتها وكمالها فابتهاجها بظهور آثارها في أعيان المظاهر أتم ابتهاجا لظهور سلطانها كما تعطي الإشارة في قول القائل المترجم عنها حيث نطق بلسانها من كناية نحن المنزل عن الله في كلامه وهي كناية تقتضي الكثرة نحن في مجلس السرور ولكن ليس إلا بكم يتم السرور فمجلس السرور لها حضرة الذات وتمام السرور لها ما تعطيه حقائقها في المظاهر وهو قوله بكم وذلك لكمال الوجود والمعرفة لا لكمال الذات إن عقلت (السؤال الثلاثون) خلق الله الخلق في ظلمة الجواب هذا مثل قوله والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة فهذه أنوار فيك تدرك بها الأشياء فما أدركت إلا بما جعل فيك وما جعل فيك سوى أنت فله تعالى مما أنت الوجود وأنت من ذلك الوجود المدرك به المعدوم الموجود وما لا يتصف بالعدم
(٦١)