(بسم الله الرحمن الرحيم) (الباب الخامس والثمانون في تقوى الحجاب والستر) من يتقي الستر فذاك الذي * يعلم أن الستر من نفسه إذا أتى يوم عليه يرى * يبكي على ما فات في أمسه لو رفع الستر بدار الفناء * من قبل أن يرفع في رمسه لنال ما نال رجال سمت * همتهم عن جنتي قدسه ولاح وجه الحق في سرهم * في بدره وقتا وفي شمسه فلا يرى الترجيح فيما يرى * بعقله من ذاك أو حسه كما يخاف العقل من عقله * كذا يخاف الحس من حسه لأجل هذا يتقي المتقي * كمتقي الشيطان من مسه اعلم أيدنا الله وإياك أن الله تعالى قال كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وقال صلى الله عليه وسلم إن لله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لا حرقت سبحات وجهه ما أدركه بصره من خلقه فانظر ما ألطف هذه الحجب وما أخفاها فإنه قال ونحن أقرب إليه من حبل الوريد مع وجود هذه الحجب التي تمنعنا من رؤيته في هذا القرب العظيم وما نرى لهذه الحجب عينا فهي أيضا محجوبة عنا وقال تعالى ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون نعم يا ربنا ما نبصرك ولا نبصر الحجب فنحن خلف حجاب الحجب وأنت منا بمكان الوريد أو أقرب إلينا منا وهذا القرب هو سبب عدم الرؤية منا أن تتعلق بك الإنسان لا يرى نفسه فكيف يراك وأنت أقرب إلينا من أنفسنا فغاية القرب حجاب كما غاية البعد حجاب وإنما العجب الذي قصم الظهر وحير العقل قولك وعلمنا إن الله يرى في قولك توبيخا وتنبيها ألم يعلم بأن الله يرى وقولك وهو معكم أينما كنتم ثم قلت إنك لو رفعت الحجب بيننا وبينك من كونك موصوفا بالسبحات الوجهية لاحترق ما أدركه بصرك بسبحات وجهك وبالنور صح ظهور العالم وهو وجوده فكيف يعدم من حقيقته الإيجاد هنا هي الحيرة ثم إنه على الأمرين أدخلت نفسك تحت حكم التحديد وهذا ينكره ما جعلته فينا من القوة العقلية الناظرة بالصفة الفكرية وما لنا إلا حس وعقل فبالحس ما ندرك وبالعقل ما ندرك فقد وقع الحد إن كنت خلف الحجاب فأنت محدود وإن كنت أقرب إلينا من الحجاب فأنت محدود وإن كنت بكل شئ محيط فأنت أقرب إلى نفي الحد فلما ذا أدخلت نفسك في الحد بما أعلمتنا به من الحجب الحائلة بينك وبيننا بيننا وبينك حارت العقول وما خاطب إلا العقول ونصب أدلتها متقابلة فما أثبته دليل نفاه آخر إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأي غفر أشد من هذا جزى الله عنا موسى عليه السلام حيرا إذ ترجم عنا بقوله إن هي إلا فتنتك اختبرت عبادك بالأدلة وما ثم دليل يوصل إليك الدليل موضوع ليدل على واضع لا يدل على حقيقة واضعه فما رأينا بعد السبر والتقسيم وما أعطاه الكلام القديم إلا أن تكون أنت عين الحجب ولهذا احتجبت الحجب فلا نراها مع كونها نورا وظلمة وهو ما تسميت به لنا من الظاهر والباطن وقد أمرتنا أن نتقي الله فإن لم يكن الله عين الحجاب عليه النوري من الاسم الظاهر والظلمي من الاسم الباطن وإلا كنا مشركين وقد ثبت أنا موحدون فثبت أنك عين الحجاب فما احتجبنا عنك إلا بك ولا احتجبت عنا إلا بظهورك غير أنك لا نعرف لكوننا نطلبك من اسمك كما نطلب الملك من اسمه وصفته وإن كان معنا غير ظاهر بذلك الاسم ولا بتلك الصفة بل ظهور ذاتي فهو يكلمنا ونكلمه ويشهدنا ونشهده ويعرفنا ولا نعرفه وهذا أقوى دليل على أن صفاته سلبية لا ثبوتية إذ لو كانت ثبوتية لا ظهرته إذا ظهر بذاته فما نعرف أنه هو إلا بتعريفه فنحن في المعرفة مقلدون له وكانت صفاته ثبوتية لكانت عين ذاته وكنا نعرفه بنفس ما نراه ولم يكن الأمر كذلك فدل على خلاف ما يعتقده
(١٥٩)