وراء الله قلنا ليس الأمر كما زعمت بل الله وراء الذات وليس وراء الله مرمى فإن الذات متقدمة على المرتبة في كل شئ بما هي مرتبة لها فليس وراء الله مرمى فحصلوا من العلم بالله ما لم يكن عندهم بالقصد الأول حين حازوا العساكر وكان الذي حجبهم ابتداء عن هذه المعرفة غيرتهم أن يشترك الحق مع كون من الأكوان في حال أو عين أو نسبة فلهذا كان مقصودهم أن يلحقوا الأعيان بمطلق العدم وهو المقام الذي تشير إليه الباطنية بقولها في جواب من يقول لها الله موجود فنقول ليس بمعدوم فإذا قلت لهم الله حي تقول ليس بميت فإن قيل لهم فالله قادر قالت ليس بعاجز فلا تجيب قط بلفظة تعطي الاشتراك في الثبوت فتجيب بالسلب وهذا كله من باب الغيرة ولا تقدر تنفي الأعيان فتستعين بهؤلاء العساكر على إعدام هذه الأعيان وزوال حكم الثبوت منها فتجد العساكر توجدها وتكسوها حلة الوجود فإذا رأت أنها مظاهر الحق رضيت بأن تبقيها أعيانا ثابتة ولا تراها موجودة ويكون عين شهودها ناظرة فيها إلى وجود الحق وأنه لا وجود اكتسبته من الحق بل حكمها مع الوجود حكمها ولا وجود وإن الذي ظهر ما هو غير هذا غايتها وهو قوله إلى ربك منتهاها فكان منتهاها ربها فأما من كانت عساكره العزائم فمنتهاه إلى الرخص من طريقين الطريق الواحدة أحدية المحبة فيهما فيكون منتهاهم إلى شهودها وهو الذي أشار إليه صلى الله عليه وسلم بقوله إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه فينحل عقد الأخذ بالعزائم بهذه المشاهدة لكونه يفوته من العلم بالله على قدر ما فاته من الأخذ بالرخصة والطريقة الأخرى تنتهي بهم إلى شهود كونه في العزائم هو عين كونه في الرخص وهم لا نسبة لهم في واحدة منهما فينحل ما عقدوا عليه انحلالا ذاتيا لا تعمل لهم فيه ومن هذا المقام يقول بعضهم بتفضيل الرسل بعضهم على بعض على أنه في نفس الأمر كما ورد في الخطاب من قوله تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض فينتهي بهم هذا الأمر إلى حل عقد التفضيل بقوله لا نفرق بين أحد من رسله ومن فضل فقد فرق فلو لا وحدانية الأمر ما كان عين الجمع عين الفرق كما أن السالك يمشي حنبليا أو حنفيا مقتصرا على مذهب بعينه يدين الله به لا يرى مخالفته فينتهي به هذا المشهد إلى أن يصبح يتعبد نفسه بجميع المذاهب من غير فرقان ومن هنا يبطل النسخ عنده الذي هو رفع الحكم بعد ثبوته لا انقضاء مدته فإلى ما ذكرناه منتهاهم على حسب ما أعطته عساكرهم فإن العساكر تختلف فإن جند الرياح ما هي جند الطير وجند الطير ما هو جند المعاني الحاصلة في نفوس الأعداء كالروع والجبن فمنتهى كل عسكر إلى فعله الذي وجه إليه من حصار قلعة وضرب مصاف أو غارة أو كبسة كل عسكر له خاصية في نفس الأمر لا يتعداه قال تعالى في الطير ترميهم بحجارة وقال في الريح ما تذر من شئ أتت عليه إلا جعلته كالرميم وقال في الرعب وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم فانظر منتهى كل عسكر إلى ما أثر في نفس من عسكر إليه فالحق لا يتقيد إذ كان هو عين كل قيد فالناس بين محجوب وغير محجوب جعلنا الله ممن أشهد الحق في عين حجابه وفي رفع حجابه وفيما كان له من راء حجابه (السؤال الخامس) فإن قيل قد عرفنا أينية منازل أهل القرية وأينية منتهى العساكر ومنتهى من حازها فأين مقام أهل المجالس والحديث قلنا في الجواب أما أهل المجالس المحدثون فمجالسهم خلف الحجاب الأنزل الأقدس في النزول ولهم ست حضرات لهم في الحضرة الأولى ثمانية مجالس المجلس الثاني والسادس يسمى مجالس الراحات وهي من باب وفق الله بالعباد الذين لهم هذه الأحوال ومجلسان الأول الذي هو الرابع والثامن فهما مجلسا الجمع بين العبد والرب ومجلس الفصل بين العبد والرب على مراتب أبينها وأما الأربعة مجالس التي بقيت فالحديث فيها على مراتب متعددة وكذلك الحضرة الثانية والحضرة الرابعة فيها ثمانية مجالس على ما ذكرناه وأما في الحضرة السادسة فمجلسان وأما في الحضرة الثالثة فستة مجالس وأما في الحضرة الخامسة فأربعة مجالس وانتهت أمهات مجالس أهل الحديث مع الله من حيث هم محدثون لا من حيث لهم مجالس وأما أهل المجالس لا من كونهم محدثين فهم أهل الشهود وهم على أربع مراتب في مجالسهم فالمحدثون جلوسهم من حيث هم من خلف ذلك الحجاب وأهل المجالس فمن حيث المراتب التي أعد لهم الحق فمنهم من أعد لهم منابر ومنهم من أعد لهم أرائك ومنهم من أعد لهم
(٤٣)