يأمره بإتيان ما حجر عليه الإتيان به فإن الله لا يأمر بالفحشاء فأسدل الستور دون أهل الحجر هذا حكمه في العامة وأما في الخاصة فقول القائل فأنت حجاب القلب عن سر غيبه * ولولاك لم يطبع عليه ختامه فجعلك عين ستره عليك ولولا هذا الستر ما طلبت الزيادة من العلم به فأنت المتكلم والمخاطب من خلف ستر الصورة التي كلمك منها فانظر في بشريتك تجدها عين سترك الذي كلمك من ورائه فإنه يقول وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب وقد يكلمك منك فأنت حجاب نفسك عنك وستره عليك ومن المحال أن تزول عن كونك بشرا فإنك بشر لذاتك ولو غبت عنك أو فنيت بحال يطرأ عليك فبشريتك قائمة العين فالستر مسدل فلا تقع العين إلا على ستر لأنها لا تقع إلا على صورة وهذا لما تقتضيه الألوهية من الغيرة والرحمة فأما الغيرة فإنه يغار أن يدركه غير فيكون محاطا لمن أدركه وهو بكل شئ محيط والمحاط فلا يكون محيطا لمن أحاط به وأما الرحمة فإنه علم أن المحدثات لا تبقي لسبحات وجهه بل تحترق بها فسترهم رحمة بهم لا بقاء عينهم ثم إن الله أيضا أسدل للعالمين ستور نتائج أعمالهم بقوله إن عمل كذا ينتج لعامله كذا فيقف العامل مع النتيجة لا رغبة فيها إذا كان من أهل الخصوص وإنما يرغب من يرغب فيها ليصحح بها وبشهودها عمله الذي كلفه به سيده وأما العامة فلرغبتها فيها وتعشقها بها فلما جعل الله علامات تدل على صحة الأعمال في العاملين رغبت الخاصة في مشاهدة نتائج الأعمال ليكونوا على بصيرة في أمورهم إذ كان مطلوبهم وهمهم القيام بما أشهدهم عليه من الحقوق وليست الحقوق سوى الأعمال التي كلفهم وقد يسدل الستر خوفا من نفوذ العين وإصابته ويدخل في هذا سدل الحجب من أجل السبحات الوجهية المحرقة أعيان الممكنات وأما في حق بعض الناس ممن ليست له تلك القدم في العلم بالله فلا يعلم أن لله تجليا في كل نفس ما هو على صورة التجلي الأول فلما غاب عنه هذا الإدراك ربما استصحب تجليا ودام عليه شهوده والطبع يطلبه بحقيقته فيدركه الملل والملل في هذا المقام عدم احترام بالجناب الإلهي فإنهم في لبس من خلق جديد مع الأنفاس وهم يتخيلون أن الأمر ما تغير فسدل الستر من أجل الملل الذي يؤدي إلى عدم الاحترام لما حرمهم الله العلم بهم وبالله فهم يتخيلون أنهم هم في كل نفس وهم هم من حيث جوهريتهم لا من حيث ما يتصفون به ولا تقل إن الأمر ليس كذلك هذا من الأسرار الإلهية التي قد حجب الله عن إدراكها خلقا كثيرا من أهل الله أرباب فتوح المكاشفة فكيف حال غيرهم فيها فالستر لا بد منه إذ لا بد منك فافهم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والخمسون ومائتان في معرفة المحق وهو فناؤك في عينه وفي معرفة محق المحق وهو ثبوتك في عينه) فناء الكون في الأعيان محق * وعين الكون حق ثم خلق فإن قام الدليل على وجودي * يقوم بذات من يبغيه محق وإني بالذي يحويه كوني * من أسماء الحقيقة في شق هذا المحق وأما محق المحق فهو إن محق المحق إبدار * وهو في التحقيق انذار فإذا أبصرت طلعته * في لم تدركه أبصار قال للحداد حين أتى * دونه حجب وأستار من أنا فقال خالقنا * ودليلي فيك آثار اعلم أن المحق ظهورك في الكون به بطريق الاستخلاف والنيابة عنه فلك التحكم في العالم ومحق المحق ظهورك بطريق الستر عليه والحجاب فأنت تحجبه في محق المحق فيقع شهود الكون عليك خلقا بلا حق لأنهم لا يعلمون أن الله أرسلك سترا دونهم حتى لا ينظرون إليه فمحق المحق يقابل المحق ما هو مبالغة في المحق وإنما هو مثل عدم العدم فإذا أقيم العبد في
(٥٥٤)