وإن كانت كل مقدمة مركبة من محمول وموضوع فلا بد أن يكون أحد الأربعة يتكرر فيكون في المعنى ثلاثة وفي التركيب أربعة فوقع التكوين عن الفردية وهي الثلاثة لقوة نسبة الفردية إلى الأحدية فبقوة الواحد ظهرت الأكوان فلو لم يكن الكون عينه لما صح له ظهور فالوجود المنسوب إلى كل مخلوق هو وجود الحق إذ لا وجود للممكن لكن أعيان الممكنات قوابل لظهور هذا الوجود فتدبر ما ذكرناه في هذه التولية التي سأل عنها سمينا وابن سمي أبينا محمد بن علي الترمذي في كتاب ختم الأولياء له وهي هذه المسائل التي أذكرها في هذا الباب (السؤال الثاني والأربعون) ما فطرته يعني فطرة آدم أو الإنسان الجواب إن أراد فطرته من كونه إنسانا فله جواب أو من كونه خليفة فله جواب أو من كونه إنسانا خليفة فله جواب أو من كونه لا إنسان ولا خليفة فله جواب وهو أعلاها نسبة فإنه إذا كان حقا مطلقا فليس بإنسان ولا خليفة كما ورد في الخبر كنت سمعه وبصره فأين الإنسانية هنا إذ لا أجنبية وأين الخلافة هنا وهو الأمر بنفسه فأثبتك ومحاك وأضلك وهداك أي حيرك فيما بين لك فما تبينت إلا الحيرة فعلمت إن الأمر حيرة فعين الهدى متعلقة الضلال فقال أنت وما أنت وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وما رمى إلا محمد فما رمى إلا الله فأين محمد فمحاه وأثبته ثم محاه فهو مثبت بين محوين محو أزلي وهو قوله وما رميت ومحو أبدى وهو قوله ولكن الله رمى وإثباته قوله إذ رميت فإثبات محمد في هذه الآية مثل الآن الذي هو الوجود الدائم بين الزمانين بين الزمان الماضي وهو نفي عدم محقق وبين الزمان المستقبل وهو عدم محض وكذلك ما وقع الحس والبصر الأعلى رمى محمد فجعله وسطا بين محوين مثبتا فأشبه الآن الذي هو عين الوجود والوجود إنما هو وجود الله لا وجوده فهو سبحانه الثابت الوجود في الماضي والحال والاستقبال فزال عنه التقييد المتوهم فسبحان اللطيف الخبير ولهذا قال وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا فجاء بالخبرة أي قلنا هذا اختبارا للمؤمنين في إيمانهم لنا في ذلك من تناقص الأمور الذي يزلزل إيمان من في إيمانه نقص عما يستحقه الايمان من مرتبة الكمال الذي في أعطى كل شئ خلقه فهذا الجواب عن الوجه الرابع الذي هو أصعب الوجوه قد بان فأما فطرته من حيث ما هو إنسان ففطرته العالم الكبير وأما فطرته من حيث ما هو خليفة ففطرته الأسماء الإلهية وأما فطرته من حيث ما هو إنسان خليفة ففطرته ذات منسوب إليها مرتبة لا تعقل المرتبة دونها ولا تعقل هي دون المرتبة قال تعالى فاطر السماوات والأرض وهو قوله كانتا رتقا ففتقناهما والفطر الشق وقال تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله وهو الفطرة كما أنه لا تبديل لكلمات الله وهو قوله ما يبدل القول لدي أي قولنا واحد لا يقبل التبديل وقال صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الفطرة فالألف واللام هنا للعهد أي الفطرة التي فطر الله الناس عليها وقد تكون الألف واللام لجنس الفطر كلها لأن الناس أي هذا الإنسان لما كان مجموع العالم ففطرته جامعة لفطر العالم ففطرة آدم فطر جميع العالم فهو يعلم ربه من حيث كل علم نوع من العالم من حيث هو عالم ذلك النوع بربه من حيث فطرته وفطرته ما يظهر به عند وجوده من التجلي الإلهي الذي يكون له عند إيجاده ففيه استعداد كل موجود من العالم فهو العابد بكل شرع والمسبح بكل لسان والقابل لكل تجلى إذا وفي حقيقة إنسانيته وعلم نفسه فإنه لا يعلم ربه إلا من علم نفسه فإن حجبه شئ منه عن درك كله فهو الجاني على نفسه وليس بإنسان كامل ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كمل من الرجال كثيرون ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية يعني بالكمال معرفتهم بهم ومعرفتهم بهم هو عين معرفتهم بربهم فكانت فطرة آدم علمه به فعلم جميع الفطر ولهذا قال وعلم آدم الأسماء كلها وكل يقتضي الإحاطة والعموم الذي يراد به في ذلك الصنف وأما الأسماء الخارجة عن الخلق والنسب فلا يعلمها إلا هو لأنه لا تعلق لها بالأكوان وهو قوله عليه السلام في دعائه أو استأثرت به في علم غيبك يعني من الأسماء الإلهية وإن كان معقول الأسماء مما يطلب الكون ولكن الكون لا نهاية لتكوينه فلا نهاية لأسمائه فوقع الإيثار في الموضع الذي لا يصح وجوده إذ كان حصر تكوين ما لا يتناهى محال وأما الذات من حيث هي فلا اسم لها إذ ليست محل أثر ولا معلومة لأحد ولا ثم اسم يدل عليها معرى عن نسبة ولا بتمكين فإن الأسماء للتعريف والتمييز وهو باب ممنوع لكل ما سوى الله فلا يعلم الله إلا الله
(٦٩)